للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد عشر سنين. وقيل: كان الرجل منهم يقوم الليل كله يقول: ما أدري متى النصف أو الثلث. ومنهم من قال: كان نفلا؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} (١).

ولأنه غير مقدر فهو دليل التطوع، ولو كان فرضا لكان مقدارا كسائر الفروض.

ترتيل القرآن: قراءته على غير استعجال بتبيين الحروف، وإشباع الحركات حتى يصير المتلو منه يشبه الثغر الرتل، وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان، وألا يهذّه هذّا (٢) ولا يسرده سردا كسرد الشّعر. قال عمر رضي الله عنه: "شر السير الحقحقة، وشر القراءة الهذرمة" (٣).

وسئلت عائشة - رضي الله عنها - عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "لا كسردكم هذّا كهذّ الشّعر، لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدّها" (٤).

{إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)}

{قَوْلاً ثَقِيلاً} القرآن لما فيه من الأوامر والنواهي والتكاليف كثيرة المشقة على المكلفين وهو بهذا الاعتراض ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الصعبة التي ورد فيها القرآن؛ ولأن الليل وقت الراحة، فلا بد لمن أحياه من السهر المضاد لطبيعته، ومجاهدة نفسه. وقيل:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه، وتربد له وجهه (٥). وينزل عليه الوحي


(١) سورة الإسراء، الآية (٧٩).
(٢) الهذ والهذذ: سرعة القطع وسرعة القراءة، هذ القرآن يهذه هذا يقال: هو يهذ القرآن هذا ويهذ الحديث هذا أي يسرده. ينظر: لسان العرب (هذذ).
(٣) نسبه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٤/ ١٠٨) لابن عدي، وقال الزيلعي: غريب. والحقحقة: المتعب من السير. وقيل: هو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه. وقال أبو عبيد بن سلام: الحقحقة وهو أن يلح في شدة السير حتى تقوم عليه راحلته أو تعطب فيبقى منقطعا به. وهذا مثل ضربه للمجتهد في العبادة حتى يحسر. والهذرمة: السرعة في الكلام والمشي ويقال للتخليط: هذرمة، والهذرمة: كثرة الكلام ورجل هذارم وهذارمة كثير الكلام، وهذرم الرجل في كلامه هذرمة: إذا خلط فيه، ويقال هو السرعة في القراءة والكلام والمشي. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد (٤/ ٣٨٨)، لسان العرب (هذرم)، النهاية في غريب الأثر (٥/ ٢٥٥، ١/ ٤١٢)، لسان العرب (هذرم).
(٤) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٤/ ١٠٨) وقال: غريب.
(٥) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٧٦) للطبراني عن ابن عباس. ونسبه الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٤/ ١٠٩) لأبي داود الطيالسي في مسنده عن ابن عباس وفيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي تربد له وجهه وجسده. ومن طريق الطيالسي رواه أبو نعيم في دلائل النبوة. وتربد: تغير واحمرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>