للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً} (١). وذكر أصحاب الأخبار أن أبا الأشد هذا كان يقف على الأديم العكاظي (٢) ويأمر الناس وإن كثروا أن يجذبوا ذلك الأديم من تحت قدميه فلا يستطيعون، وينقطع الأديم ورجله ثابتة عليه. فإن قلت: قوله: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} وهم المنافقون ولا منافق عند نزول هذه السورة؛ لأنها كلها مكية، وإنما نجم النفاق وظهر بالمدينة؟! قلت: معناه: وليقول الذين في قلوبهم مرض في المستقبل من الزمان؛ لأنه ذكره بلفظة المضارع وهو" يقول "ولو كان بفعل الماضي لعاد مستقبلا بلام" كي "؛ لأن النواصب تقلب الماضي مستقبلا.

قوله: {ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً} مثلا: تمييز ل‍" هذا "أو حال منه؛ كقوله: {هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً} (٣) تشبيها بالأمثال المضروبة؛ لأنهما يشتركان في الأمور المستغربة.

{كَذلِكَ} موضع الكاف فيها نصب، و" ذلك "إشارة إلى قوله {ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً} {يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} واختصاص كل فرقة منهم بما اختصت به، كمساواة عقود الأعداد أو النقص عنها أو الزيادة عليها. {وَما هِيَ} يعني القيامة {إِلاّ ذِكْرى} وأعداد النصب والكفارات والصلوات. أو {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} لعدم الإحاطة بها لكثرتها {إِلاّ هُوَ} وقوله: {وَما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ} معترض وهو متصل بوصف سقر، و" هي "ضمير سقر أي: ما سقر وصفتها إلا تذكرة للبشر أو ضمير للآيات التي ذكرت فيها.

{كَلاّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦)}

{كَلاّ} منع لأن تكون ذكرى للكفار. {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} أو {أَدْبَرَ} (٤) صار كأمس


(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٩/ ١٥٩).
(٢) نسبة إلى عكاظ وهو سوق للعرب، وموسم من مواسم الجاهلية، وكانت قبائل العرب تجتمع بها كل سنة ويتفاخرون بها ويحضرها الشعراء فيتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون. قال: وهي بقرب مكة كان العرب يجتمعون بها كل سنة فيقيمون شهرا يتبايعون ويتفاخرون ويتناشدون فلما جاء الإسلام هدم ذلك لأن العرب كانت تجتمع فيها. ينظر: لسان العرب (عكظ).
(٣) سورة الأعراف، الآية (٧٣).
(٤) قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية شعبة وأبو جعفر" دبر "وقرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم والباقون" أدبر ". تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٣٧٨)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٥٥)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٧٣٣)، الدر المصون للسمين الحلبي -

<<  <  ج: ص:  >  >>