للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه سئل عن الأب، فقال: "أي سماء تظلني أو أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به" (١).وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية فقال: كل هذا قد عرفنا، فما الأبّ؟ ثم رفض عصا كانت في يده، وقال: هذا لعمر الله التكلف وما عليك يابن أم عمر ألا تدري ما الأب؟ ثم قال: "اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه" (٢).

فإن قلت: قول عمر يشبه النهي عن تتبع المشكلات والسؤال عنها؟

قلت: كان أهم أمر الصحابة تعلم العلم الذي يقتضي العمل، فأما ما سوى ذلك فكان من النادر أن يتعرضوا له. وقد فهم من سياق هذه الآية أن الأب نبت أطلقه الله لمصالح هذه الآية، ولعلف دوابهم.

يقال: صخ لحديثه مثل أصاخ، فوصف النفخة بالصاخة مجازا؛ لأن الناس يصيخون لها.

{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)}

{يَفِرُّ} منه لاشتغاله بما هو أهم، وما هو مدفوع إليه من الحساب والعرض، ولعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئا. وقيل: يفر منهم؛ حذرا من أن يطالبوه بالتبعات، فيطلب القريب ما توجبه صلة الرحم، وكذلك الأب والأم والصاحبة بحقوقها وكذلك البنون. {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (٣٣١ /أ) من خطايا محمولة على ظهره، وسائق يسوقه إلى الموقف بالغلظة وحيائهم من الله في إقدامهم على معصيته. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} مضيئة نيرة، يقال:

أسفر الصبح: إذا أضاء. وأسفرت المرأة: كشفت نقابها، وسمي السفر؛ لأنه يكشف عن أخلاق المرء.

{غَبَرَةٌ} غبار يعلوها. {تَرْهَقُها قَتَرَةٌ} أي: سواد. ولا ترى أقبح من اجتماع الغبرة والدخان كما ترى في وجوه الزنوج إذا اغبرت.


(١) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (٤/ ١٥٨) ونسبه لابن أبي شيبة في فضائل القرآن وعبد بن حميد في تفسيره.
(٢) نسبه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (ص: ١٨٢) للطبري والطبراني في مسند الشاميين، والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>