وقال في هذه الآيات:{قُلْ صَدَقَ اللهُ} أي: وكذبتم أنتم في دعواكم أن تحريمها لم يكن عقوبة، والفرية إن كانت في معنى التكذيب فنصب الكذب بأنه مصدر، على معنى الفعل كقولهم: قعدت جلوسا. وإن كانت الفرية أخص من الكذب؛ لأنها الكذب المختلق الذي لم يسبق قائله إليه فنصب الكذب بالمفعولية.
{مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} في التوحيد؛ لقوله:{وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}{حَنِيفاً} مائلا عن الأديان إلا عن الإسلام.
وقيل: مكة البلد، وبكة موضع المسجد سميت بكة؛ لأنها تدق أعناق الجبابرة، من قصدها من جبار قصمه الله.
{مُبارَكاً} يجوز أن يكون مباركا فيه؛ كقوله:{إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً}(٣٤)[الإسراء] عنه، ويجوز ألا يحتاج إلى إضمار جار ومجرور ويقال: باركك الله. ومنه {شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ}[النور: ٣٥]. وقوله:{أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ}[النمل: ٨]{فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ} ولم يذكر إلا مقام إبراهيم، وأمن من دخله، فقيل: في مقام إبراهيم آيات: إحداها: بقاؤه من العهد القديم ما يقارب ألفي سنة، ومنها: بقاء أثر رجل إبراهيم في الحجر، ومنها: تأثير رجل الآدمي في الحجر الصلب. وقيل: إذا دلت القرينة على الثالث، جاز حذفه لفظا؛ كقول الشاعر [من البسيط]:
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها (١)
فيعرف أن الثالث من كان حرّ الأصل.
قوله:{مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ} بدل البعض من الكل، والضمير المصحح محذوف، والتقدير:
من استطاع منهم؛ كقولك: السمن منوان بدرهم، أي: منه. {تَبْغُونَها} أي: تبغون لها عوجا {وَأَنْتُمْ شُهَداءُ} على استقامتها.
(١) البيت لجرير، ينظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٢/ ١٧٠)، الكشاف للزمخشري (١/ ٢٨٨).