فإن سورة الأنعام مكية، وسورة النساء مدنية؛ فلذلك قال فيها:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ}{إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} إذا رضيتم قولهم. {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ} ينتظرون، وسمي ما يناله المؤمنون فتحا؛ تعظيما لجزائهم بالخير.
{أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ} أي: نستولي عليكم. {وَهُوَ خادِعُهُمْ} قيل: المراد ما ذكره آنفا من تسمية الشيء باسم مقابله. وقيل: يعطون في القيامة نورا ويسعى المؤمنون في نور أعمالهم، ثم يضرب بينهم بسور، وينطفئ نور المنافقين. وقيل: تفتح أبواب النار، فيهمون بالخروج، فتغلق أبوابها دونهم.
{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ} قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه أخرى»(١).
منازل النار تذهب إلى أسفل، وتسمى دركات، والمنافقون في الدرك الأسفل منها ومنازل الجنة تذهب علوّا، وتسمى درجات. وشرط في توبة المنافقين الإصلاح والاعتصام بالله وإخلاص الدين لله، فلما تكاملت هذه الشروط أعرض عنهم وقال: هؤلاء إذا استكملت شروط توبتهم يكونون مع المؤمنين.
{وَسَوْفَ} أكافئ المؤمنين بالخير، وهذا يدل على غضب شديد فإنه وإن قبل توبتهم،
(١) رواه مسلم رقم (٢٧٨٤)، والنسائي (٨/ ١٢٤)، من حديث ابن عمر. قال النووي في شرح مسلم (٩/ ١٤٢): العائرة: المترددة الحائرة، لا تدري لأيهما تتبع. وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (٣/ ٣٢٨): المترددة بين قطيعين، لا تدري لأيهما تتبع.