للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعرض عنهم.

أي شيء {يَفْعَلُ اللهُ} بتعذيبكم إن كنتم مؤمنين شاكرين فإنه - تعالى - شاكر يثيب على العمل اليسير بالجزاء الكثير، ويضاعف الثواب حتى يكون بقدر سبعمائة ضعف. قال بعض المفسرين من التابعين: يجوز لمن شتم أن يرد على من شتمه قبله، فإن ظاهر هذه الآية يقتضي أن من ظلم جاز له الجهر بالسوء من القول. وقد أعمل المصدر الذي هو الجهر في الجار والمجرور، فادعى بعض النحويين أنه ليس في القرآن إعمال المصدر المعرف بالألف واللام إلا في هذا الوضع، وليس بصحيح؛ لأن قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} [البقرة: ١٨٣] إلى أن قال: {أَيّاماً مَعْدُوداتٍ} [البقرة: ١٨٤] إنه ظرف والعامل فيه الصيام المعرف بالألف واللام (١).

وقوله: {فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً} (٤٠ /ب) ليس جوابا للشرط؛ لأن وصفه بالعفو والقدرة مستمر سواء أبدوا خيرا أو أخفوه، أو عفوا عن سوء أو لم يعفوا، والتقدير: أو تعفوا عن سوء فقد اتصفتم بصفات الحق جل جلاله في العفو والقدرة. في (أحد) معنى العموم؛ فلذلك دخلت من عليها، ولفظة بين تستدعي شيئين فصاعدا.

{يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣)} {وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ}


(١) هذا قول العكبري في اللباب في علل البناء والإعراب (١/ ٤٤٨ - ٤٥٠): ويعمل المصدر وإنّ لم يعتمد بخلاف اسم الفاعل؛ لأنّه قوي بكونه أصلا للفعل وأنّه موصوف لا وصف، ثم قال: وأقوى المصادر عملا المنون؛ لأنه أشبه بالفعل إذ كان نكرة، وإن الفعل لا يضاف، ثم يليه المضاف؛ لأن الإضافة في حكم الأسماء، وقد لا تعرّف وإذا عرفت كان التعريف ساريا من الثاني إلى الأوّل بعد أن مضى لفظه على لفظ النكرة بخلاف الألف واللام، ثم ما فيه الألف واللام وعمله ضعيف؛ لأنّ الألف واللام أداة زائدة في أوّله تنقله من التنكير إلى التعريف في أوّل أحواله ومع ذلك فعمله جائز؛ لأنّ الشبه فيه باق وهو قليل في الاستعمال، ولم يأت في القرآن منه معمل في غير الظرف فيما علمنا وإنّما جاء معملا في الظرف كقوله - تعالى: لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ وينظر تفصيل هذه المسألة في: الأصول لابن السراج (١/ ١٣٧)، البيان في غريب القرآن لابن الأنباري (١/ ٢٧٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٢/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>