للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوسيلة إلى الله - تعالى - بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ} الآيتين بدأ في السرقة بالسارق، وفي الزنى بالزانية؛ لأن أكثر السرقة تقع من الرجال؛ لما أوتوا من القوة، ولولا إطماع المرأة في نفسها بلين الكلام وغيره، لما وقع الزنى غالبا. قدم ها هنا {يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ}؛ لأن السابق قبلها ذكر قاطع الطريق والسارق {سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} أي: يسمعون انتقلوا إليهم. قوله: {لَمْ يَأْتُوكَ} صفة لقوم آخرين. وكان في التوراة الرجم في الزنى على المحصن، فغيروه وقالوا: يسود وجهه فزنى منهم رجل فاختلفوا في الحد الذي يقام عليه، ثم قالوا: ائتوا محمدا، فسلوه فإن أفتاكم بالرجم، فلا تقبلوه، وإن اختار تسويد الوجه والتطويف فاقبلوا. فجاؤوا إليه، فقال: ما عندكم في التوراة في ذلك؟ قالوا: يسود وجهه، ويطوف. قال: {فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (١) فجاؤوا بها، فوضع رجل منهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا آية الرجم، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم باليهودي واليهودية فرجما (٢).

{فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ} رد أمر الله شيئا {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الإمام مخير بين الأمرين. {النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} وصف الأنبياء بالإسلام، وهو دليل على عظمة وصف الإسلام، كما وصف النبيين في سورة «الصافات» بالإيمان {سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} (٣) وكذلك في إبراهيم وموسى وهارون وإلياس. اختلف العلماء في شريعة من قبلنا؛ هل هي شرع لنا؟ فإن اتصل بها تقرير وجب العمل بها، وإن اتصل بها إنكار فلا عمل بها، وإن أطلقت مجردة عن الأمرين ففيه الخلاف في شريعة من قبلنا، وهذه الآية اتصل بها التقرير؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلم لأنس بن النضر: «كتاب الله القصاص» (٤) وليس القصاص في كتاب الله في السّنّ إلا في هذه الآية (٥).


(١) سورة آل عمران، الآية (٩٣).
(٢) رواه أبو داود رقم (٤٤٥١، ٤٤٥٠)، والواحدي في أسباب النزول (٣٩٢)، عن أبي هريرة رضي الله عنه بهذا السياق. ورواه البخاري رقم (٦٨٤١، ٣٦٣٥)، ومسلم رقم (١٦٩٩) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بنحو ذلك.
(٣) سورة الصافات، الآية (٨٠).
(٤) رواه البخاري في صحيحه رقم (٤٥٠٠، ٤٤٩٩، ٢٧٠٣)، ومسلم رقم (١٦٧٥) عن أنس رضي الله عنه.
(٥) قال الإمام الشيرازي في كتاب اللمع في أصول الفقه (١/ ٣٤) ط. دار الكتب العلمية، بيروت، -

<<  <  ج: ص:  >  >>