قوله:{قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ} الآية. قيل: لما سمعوا أن الله يعذب من كفر بعد نزول المائدة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، استقالوا وسألوا ألا تنزل المائدة، فلم تنزل وقال الأكثرون: بل نزلت بين غمامتين، فقال عيسى للحواريين: ليتقدم من يكشفها، فقالوا له: أنت أولى بذلك منا، فتوضأ وصلى ركعتين وكشفها، فوجد فيها سمكة وأرغفة من الخبز وزيتونا وخلاّ وملحا فأكلوا منها، واستمر أكلهم منها، فكانت تنزل كل يوم (١).
قيل: المراد ب (ما في نفسك) ما في نفسي؛ لأن نفسه ملك لله، والتقدير: تعلم ما في نفسي، ولا أعلم أنا ما في نفسي، أنت أعلم به مني.
{ما قُلْتُ لَهُمْ} في أمر الدعوة {إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ} ولم يرد نفي النطق بأمر أجنبي عن الدعوة. قوله:{فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ولم يقل: الغفور الرحيم؛ لأنه لو قال ذلك، كان كالشفيع لهم، والطالب لرحمتهم، وهو في مقام الاعتذار، لا في مقام الشفاعة.
(١) روى تلك الأقوال الطبري في تفسيره (٧/ ١٣٥) ثم قال: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله - تعالى - أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألته ذلك ربه وإنما قلنا ذلك للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم غير من انفرد بما ذكرنا عنه وبعد، فإن الله - تعالى - لا يخلف وعده ولا يقع في خبره الخلف وقد قال - تعالى - مخبرا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلّى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وغير جائز أن يقول - تعالى ذكره - إني منزلها عليكم ثم لا ينزلها؛ لأن ذلك منه - تعالى - خبر ولا يكون منه خلاف ما يخبر، ولو جاز أن يقول: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ. ثم لا ينزلها عليهم جاز أن يقول: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. ثم يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذبه فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة وغير جائز أن يوصف ربنا - تعالى - بذلك.