للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨)}

ثم سلّى رسوله وهدد الكفار ووعد المسلمين النصرة عليهم بقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} وذكر أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا، وابتلاهم بالنعمة ليشكروا فخالفوا المطلوب في الحالين، وقال: {فَلَوْلا} فهلا {إِذْ جاءَهُمْ} أي: وقت مجيء الناس {تَضَرَّعُوا} {فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ} ما ذكروا به من الشدة وإزالتها {فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ} النعمة والرخاء والسعة وكل شيء يحتاجون إليه {حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً} ففاجأهم بالإبلاس، وأراد بالفرح البطر، وإلا فما تخلو نفس من السرور بما عود به الله من الخير.

والدّابر: الآخر. ولما كان إهلاك الدابر إنما يتأتى بعد قطع ما دونه، جعل قطع الدابر كناية عن إهلاك الجميع، وعن ابن عطية (١): الدابر من الطائر الصائد، كالإبهام في يد الإنسان، فإذا قبض الطائر بمخالبه شيئا أخذه بإبهامه، كالمطبق عليه كما يطبق الكف بالإبهام، وإذا قطع دابر الصائد من الطائر لم يقدر على الاصطياد، فجعل قطع الدابر كناية عن إثخانهم بالجراح، وعجزهم عن القتال بسببها، وقد حمد الله نفسه على إهلاك الظلمة.

{يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي: بذلك، والقياس بها. صدف عن الأمر: أعرض. {بِما كانُوا يَصْدِفُونَ} بكونهم يصدفون {بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} مصدران في موضع الحال. {وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} وإنما عليهم البلاغ، احتج بعضهم على أن الملك أفضل من البشر بهذه الآية. أي: لا أدعي ما لم أعط فلا {أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} وقد سبق جوابه في أواخر سورة النساء (٢)، فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا


(١) ينظر: المحرر الوجيز لابن عطية (٦/ ٥٢) وهو أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية الأندلسي، عالم مفسر فقيه عارف بالأحكام والحديث واللغة والنحو والأدب. توفي سنة ٥٤١ وقيل ٥٤٦ هـ‍. ومن أشهر مصنفاته: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.
تنظر ترجمته في: بغية الوعاة للسيوطي (ص: ٢٩٥)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري (٩/ ٣٠٧).
(٢) عند تفسير الآية (١٧٢) قوله - تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>