للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرادا {جَرَحْتُمْ} أي: كسبتم بالنهار ومنه {اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ} [الجاثية: ٢١] وجوارح الصيد: كواسبه {لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى} وهو أجل الحياة {وَهُوَ الْقاهِرُ} المستعلي على عباده علوّا معنويّا (١). {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} يكتبون أعمالكم. قال هاهنا: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا} وفي أخرى: {قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} (٢) وفي أخرى: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} (٣) فالأعوان يعالجون الروح حتى تصل إلى الشراسيف (٤) فيتجلّى لها ملك الموت فتخرج، والله هو الذي سبب ذلك، فنسب ذلك إليه؛ لأنه المسبب، وإلى الأعوان؛ لأنهم المعالجون، وإلى ملك الموت؛ لأنه المباشر فإذا قبضت الروح من الرجل الصالح صعد بها إلى السماء فتفتح لها أبوابها. وأما روح الكافر فتغلق دونها أبواب السماء، وتلقى إلى حيث جاءت منه.

{تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} احتج به من زعم أن إخفاء الأذكار أفضل من إظهارها. وقد قال في حق زكريا: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا}.

{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)} {قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا}


(١) يسير المصنف - رحمه الله - على ما عليه معتقده في صفات الله - تعالى - التي يرى أن إثباتها يوهم تشبيها لصفاته - تعالى - بصفات المخلوقين، وفي هذه الآية يؤول صفة العلو لله - تعالى - وقد مضى الكلام على ذلك غير مرة، وبيان عقيدة السلف من أهل السنة والجماعة في ذلك.
(٢) سورة السجدة، الآية (١١).
(٣) سورة الزمر، الآية (٤٢).
(٤) الشرسوف: واحد الشراسيف وهي أطراف الأضلاع المشرفة على البطن. وقيل: هو غضروف معلق بكل بطن ينظر: النهاية في غريب الأثر لابن الأثير (٢/ ٤٥٩)، لسان العرب (شرسف).

<<  <  ج: ص:  >  >>