للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إياه. فقال: اذهب فاطرحه في القبض - والقبض - بفتح الباء -: هو الشيء المقبوض، كالنقص والحسد: الشيء المنقوص والمحسود - فقلت: يا رسول الله: نفلني السيف. فأعاد عليّ القول بصوت أغلظ من الأول: اطرحه في القبض. فذهبت لأطرحه وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي ومنعي السيف، فقبل أن أصل ردني رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إنك (٦٥ /أ) سألتني السيف وليس إليّ، والآن فقد جعل الله غنائم بدر لي أتصرف فيها، اذهب فخذ السيف (١)». ولما حصل لقاء يوم بدر جلس النبي صلّى الله عليه وسلم في العرش هو وأبو بكر واجتمع إليه الشيوخ وأرباب الرايات وتقدم الشباب فقاتلوا وقتلوا وغنموا، فلما انقضت الحرب قال الشباب: نحن حزنا الغنيمة بأسيافنا فهي لنا، وقال الشيوخ: نحن كنا ردءا لكم وفئة تنحازون إليها، وتنازعوا في ذلك فنزلت {قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ}.

{الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ} بالعظمة وسرعة الانتقام. {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ} آيات الرحمة والمغفرة قويت آمالهم واطمأنت قلوبهم، وازداد أثر إيمانهم، ولا يتوكلون إلا على الله، وجاء الحصر من جهة تقديم المعمول.

{حَقًّا} مصدر أي: يحق ذلك حقا، الكاف في قوله: {كَما أَخْرَجَكَ} للتشبيه، ومعناه: كما جعل الأنفال والرسول يفعل فيها ما يراه، وإن كرهوا ذلك - أخرجك ربك لقتال أهل بدر وهم كارهون. وقيل ترجع إليّ {حَقًّا} أي: يحق ويثبت أيها الرسول وإن كرهوا، كما حق خروجك من بيتك إليهم وإن كرهوا. {يُجادِلُونَكَ} في موضع الحال.

لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن عير قريش قد قرب مرورها عليهم ذاهبة إلى مكة وفيها أربعون راكبا منهم أبو سفيان بن حرب فندب النبي صلّى الله عليه وسلم أصحابه ليخرجوا لطلب العير، فسمعت قريش بمكة بذلك، فأسرعوا يطلبون حماية العير، وقالوا: إن أخذها محمد استغنى واستعان بها على قتالنا، وألزموا كل أحد بالخروج أو أن يقيم بدلا مكانه وهم النفير، فوعد الله نبيه إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير، وكان عرض أكثر الصحابة أن ينالوا العير؛ لأنه مال يوجد من غير قتال، ولأنهم لم يخرجوا يوم بدر للقتال، وإنما خرجوا لطلب العير، وأما


(١) رواه مسلم رقم (١٧٤٨)، وأبو داود رقم (٢٧٤٠)، والترمذي رقم (٣٠٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>