للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ} فخرجوا، فلما لاقوا المسلمين رأى إبليس جبريل قد نزل من السماء لينصر المؤمنين فخاف على نفسه أن يقتله جبريل، ففر فقيل له: أين تذهب يا سراقة؟ فقال: {إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ} فاشتهر بين كفار قريش أنه لم يهزم الناس إلا سراقة بن مالك فلما رجعوا اجتمعوا بسراقة وعتبوه، فقال:

والله ما كنت هناك حتى أنهزم (١). {إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ} وقت اللقاء {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} إذا أقبلوا. {وَأَدْبارَهُمْ} إذا ولوا، ولم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر، وكانوا ينزلون في غيرها، مددا ولطمأنينة القلوب.

{كَدَأْبِ} كعادة، أي: عادة هؤلاء منازعة الأنبياء كعادة {آلِ فِرْعَوْنَ} {وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} الله وأخذه ونقمته. {فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ} أي: فإن تثقفهم، والثقف: الأخذ بشدة.

{فَشَرِّدْ بِهِمْ} أي: فافعل بهم فعلا يوجب فرار من حولهم. وقوله: {فَشَرِّدْ} مأخوذ من شرد البعير إذا فر. {وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً} بأمارات تدل على ذلك، فانقض عهدهم وعرفهم بذلك كي لا يكون عذرا. من قرأ {إِنَّهُمْ} بكسر، فهو استئناف كلام، ومن قرأ (أنّهم) بالفتح (٢) أي: لا تحسبهم لأجل أنهم لا يعجزون. وفي الحديث الصحيح (٦٧ /ب) أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} قال: «ألا إنّ القوة الرمي، ألا إنّ القوة الرمي، ألا إنّ القوة الرمي» (٣).

قوله: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ} قيل: فارس والروم. وقيل: كفار الجن، إلا أن قوله: {لا تَعْلَمُونَهُمُ} يرد على القائلين. {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} جزاؤه.


= ملاحقة النبي صلّى الله عليه وسلم في الهجرة مشهورة ترويها كتب السير. توفي سنة ٢٤ هـ‍. تنظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (٢/ ١٩).
(١) رواه الطبري في تفسيره (١٠/ ١٨)، وأورده السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٧٩) ونسبه لعبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال: «ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك فأنكر أن يكون شيء من ذلك».
(٢) قرأ جمهور القراء أبو عمر وابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف ويعقوب «إنهم»، وقرأ ابن عامر «أنهم». تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٤/ ٥١٠)، الحجة لابن خالويه (ص: ١٧٢)، حجة أبي زرعة (ص: ٣١٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٣/ ٤٢٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٠٨)، الكشاف للزمخشري (٢/ ١٣٢)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٧٧).
(٣) رواه مسلم رقم (١٩١٧)، وأبو داود رقم (٢٥١٤)، والترمذي (٣٠٨٣) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>