للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} من غير امتحان ولا اختبار، ولما يظهر الله بالامتحان والاختبار. {الَّذِينَ جاهَدُوا} ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين معدلا يلجئون فيه، ومكان الولوج: وليجة. ولما أسر العباس يوم بدر (٦٩ /ب) عيره عليّ وقال: كذبتم الرسول وقاتلتم المؤمنين الذين يوحدون الله ويعظمونه، وقطعتم الرحم بالقتال. فقال العباس: تذكرون مساوئنا وتتركون محاسننا، إنا لنسقي الحاج، ونطعم الجائع، ونفك العاني، ونعمر المسجد الحرام، فنزلت {ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ} {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ} (١) {أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ} كإيمان من آمن، أو: جعلتم أهل سقاية الحاج، ثم بين قبول عبادات المؤمنين وحبوط عمل الكافرين فقال في الكفار:

{فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ} (٢١٧) وفي حق المؤمنين {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} الآيتين. ثم نهى المؤمنين أن يداخلوا الكفار، أو يطلعوهم على بواطنهم ولو كانوا ذوي قربى.

{قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦)}

{فَتَرَبَّصُوا} فانتظروا {حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} بعقوبة من آثر هذه الأمور على حق الله - تعالى. {فِي مَواطِنَ} أي: في أيام مواطن؛ لأنه لو أراد المكان لم يعطف عليه ظرف الزمان في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} لأنك تقول: ضربت زيدا يوم الجمعة عند المسجد، ولا تقول: وعند المسجد، إلا أن يسبق ظرف مكان فتقول: ضربته خلف الدار وعند المسجد، ولك أن تضمر في الثاني، فتقول: في مواطن كثيرة وموطن حنين (٢).


(١) رواه الطبري في تفسيره (١٠/ ٩٥)، وزاد نسبته السيوطي في الدر المنثور (٤/ ١٤٥) لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما.
(٢) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٢/ ٢٥٩) وجوز السمين الحلبي عطف ظرف الزمان من غير -

<<  <  ج: ص:  >  >>