للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة ابن الربيع كانوا قد تخلفوا عن السفر (٧٤ /ب) عن النبي صلّى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فلما قدم همّوا بأن يعتذروا بأعذار كاذبة، ثم قالوا: الصدق أقرب إلى النجاة فاعترفوا بتقصيرهم، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلم عن كلامهم، فأقاموا خمسين ليلة لا يكلمهم أحد حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثم قبل الله توبتهم وبشرهم (١).

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} وقالوا: لو كنا اعتذرنا بأعذار كاذبة لدخلنا في زمرة من قيل فيهم: {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} الآيات (٢).

من نوى عبادة تشتمل على أنواع من التعبد لم يحتج إلى النية عند كل جزء منها، فلا ينوي في الصلاة ركوعها ولا سجودها، ولا ينوي في الحج سعيه ولا وقوفه، ولا في الجهاد في كل نفقة وكل قطع واد (٣).

{وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ} المجاورون لأهل المدينة ومن حولهم أن ينفروا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليتعلموا العلم؛ لما في ذلك من الخوف على عيالهم أن يغار عليهم، وعلى أموالهم أن تذهب، فإذا تعذر نفير الجميع فهلا {نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا} الفئة النافرة، وتعلم ما تجدّد من الوحي، وما نسخ من الأحكام. {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} المقيمين {إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} الجهل بأحكام الله.

وقيل: وما كان المؤمنون المقيمون في المدينة ومن حولهم أن ينفروا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الغزوات والسرايا التي يبعثها؛ لئلا يبقى النبي صلّى الله عليه وسلم وليس معه أحد، فيطمع فيه اليهود والمنافقون، فإذا تعذر نفير الجميع عنه، فهلا نفر من كل فرقة من المقيمين طائفة في السرايا والبعوث لتتفقه الفئة المقيمة عند الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولتنذر الفئة المقيمة قومهم إذا رجعوا إليهم من السرايا، ويعرفونهم ما تجدد من الأحكام.


(١) رواه البخاري رقم (٤١٥٦)، ومسلم رقم (٦٩٢٧) في حديث طويل.
(٢) رواه الطبري في تفسيره (١١/ ٦) عن كعب بن مالك قال:" والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد: سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
(٣) ينظر: الأم للشافعي (١/ ٨٤)، بدائع الصنائع للكاساني (٢/ ٢٢٦)، المغني لابن قدامة (٣/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>