للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال الله: يا جبريل أدرك يوسف، فنزل جبريل فخفقه بجناحه خفقة ذهبت بها الشهوة من نفسه حتى إن أولاد يعقوب كل منهم رزق اثني عشر ولدا إلا يوسف فإنه لم يرزق إلا أحد عشر لتلك الخفقة - فهذه حكاية نعوذ بالله منها، فإنها لو حكيت عن أفجر الفجار لكان حقيقا بألاّ نسلم عليه بعد أن ظهرت له المعجزات بانشقاق الحائط وتلاوة القرآن ثم يعود.

ويرد هذه الحكاية أن الله - تعالى - برّأه بقوله: {كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ} (١) ولو نظر إليها بشهوة لكان حراما عليه، فكيف وهو يرى الآيات ثم يأتي لمواقعتها، ثم يجلس مجلس الرجل من المرأة؟!

وبرّأه الشاهد بقوله: {إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} أو: من دبر، وبرّأه العزيز بقوله:

{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} وبرّأه النسوة بقولهن: {ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} وبرّأ هو نفسه بقوله:

{ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} ولو حدّق إليها مستحسنا لها لكان ذلك خيانة بالغيب، وبرأته امرأة العزيز بقولها: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} ثم إن الله سبحانه لم يذكر عن نبي معصية إلا وأعقبها بذكر توبته واستغفاره ومغفرته له، ولم يعقب ذكر يوسف بشيء من ذلك. وزعم بعضهم أن قوله: {وَهَمَّ بِها} متعلق بقوله: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} والتقدير: لولا أن رأي برهان ربه لهمّ بها، فما همّ يوسف. وهذا فاسد؛ لأن جواب «لو» لا يتقدم عليها.

قرئ {الْمُخْلَصِينَ} و {الْمُخْلَصِينَ} فمن قرأ بالكسر فهو من قوله: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ} (٢) ومن قرأ {الْمُخْلَصِينَ} (٨٦ /ب) بالفتح (٣) فهو من قولهم: {إِنّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ} (٤) {وَأَلْفَيا} وجدا. استعملت الحياء والحفز بقولها: {ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً} ولم تذكر نفسها ولا يوسف، ولولا تورطها وافتضاحها برؤية


(١) سورة يوسف، الآية (٢٤).
(٢) سورة النساء، الآية (١٤٦).
(٣) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب "المخلصين"، وقرأ باقي العشرة "المخلصين".
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٥/ ٢٩٦)، حجة ابن خالويه (ص: ١٩٤)، حجة أبي زرعة (ص: ٣٥٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ١٧٠)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٣٤٨)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٣١٢)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٩٥).
(٤) سورة ص، الآية (٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>