للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العزيز على تلك الحالة لما احتاجت إلى مثل هذا الكلام، واضطر يوسف إلى أن يدفع عن نفسه ما عرّضت به من قذفه، فقال: {هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} {شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها} قيل:

هو رجل كان في صحبة العزيز. وقيل: صبي كان في المهد أنطقه الله ببراءته. وهذا فاسد؛ لأنه ورد في الحديث أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب الأخدود، وصاحب جريج (١)، وهذا ليس واحدا منها. الخاطئ فاعل الخطيئة، وهو العاصي، يقال:

منه خطأ يخطأ فهو خاطئ، مثل: ضحك يضحك فهو ضاحك، وأما أخطأ يخطئ فهو المضاد للعمد.

{وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)}

{قَدْ شَغَفَها} قد خرق حبّه حجاب قلبها، والشغف: جلدة رقيقة تغشى القلب.

{إِنّا لَنَراها} لنعلمها. {فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} قيل: قلن هذا القول لتريهم إياه، فلذلك سمي مكرا. {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ} ما يتكأ عليه. {أَكْبَرْنَهُ} أعظمنه. وقيل: حضن لما هالهن من جماله. وقال الشاعر [من الطويل]:

خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العواتق (٢)

وهذا بعيد، فإنه لا يقال: حضنه. {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أبنّها. وقيل: جرحنها، وهو


(١) رواه البخاري برقم (٦٤٨٩، ٣٤٣٦، ٢٤٨٢)، ومسلم برقم (٢٥٥٠) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) البيت للمتنبي، ينظر في: روح المعاني للألوسي (١٢/ ٢٢٩)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٤٦٥)، قرى الضيف لابن أبي الدنيا (١/ ١٠٨)، الوساطة بين المتنبي وخصومه لأبي الحسن الجرجاني (ص: ١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>