للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ} فاعل "بدا" بداء، وقوله: {لَيَسْجُنُنَّهُ} تفسير لذلك البداء. قيل: تفعّل الفتيان المنامين، ولم يكونا رأيا شيئا، فنفذت الكلمة النبوية.

وقيل: بل رأيا ما قصه الله - عزّ وجل. {أَعْصِرُ} عنبا يصير بعد مدة {خَمْراً} من تسمية الشيء بما يؤول إليه. قال المفسرون: وبعض العرب يسمي العنب خمرا. قلت: فيه نظر؛ لأن المنقول عن العرب أنهم أطلقوا على العنب اسم الخمر، ولم يقولوا هو مجاز عن أصل الوضع، ولا هو حقيقة، ونحن قد قلنا: إن تسميته خمرا مجاز عن تسمية الشيء بما يؤول إليه. {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} قيل: في عبارة الرؤيا، يعبرها على أحسن وجه. وقيل: {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} إلى أهل السجن، كان يذكرهم بالله ويعظهم ويزور مريضهم. وكان يوسف عليه السّلام يحدّث أهل السجن بما يبعثه أهلهم إليهم من المأكل والملابس وغيرها، ثم إن يوسف دعاهم إلى الله وأقام الدلالة على وحدانيته قبل أن يشرح لهما ما اقتضته رؤياهما تقديما للدعاء إلى الله وإقامة حجج الوحدانية على ما طلباه من تفسير المنامين.

قوله: {ما كانَ لَنا} في معنى ما ينبغي؛ كقوله: {ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} (١).

{أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} وهو الذي رأى نفسه يعصر العنب، والآخر هو الذي حمل الخبز على رأسه وأكلت الطير منه {قُضِيَ الْأَمْرُ} فرغ ممّا قصصته عليكم وأنه كائن لا محالة. {وَقالَ} يوسف {لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ} وهو الساقي {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} سيدك. {فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ} أي: أنسى يوسف ذكر ربه، أي: رب يوسف، ومن قال:

أنساه الشيطان يعني: الساقي ذكر ربه، أي: تذكير سيده {فَلَبِثَ} يوسف {فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} قيل: البضع من الثلاثة إلى العشرة. وقيل: إلى التسعة، فلما أراد الله تخليص يوسف هيّأ سببه، فأرى الملك في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف مهازيل، ورأى سبع سنبلات خضر قد التفت عليها سبع سنابل يابسات، فقال: {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ} (٨٧ /ب) يقال: عبر الرؤيا مخففا يعبرها فهو عابر، ومنه الحديث: "الرؤيا لأول عابر" (٢).ودخلت اللام في قوله: {لِلرُّءْيا} لتقدم المفعول؛


(١) سورة مريم، الآية (٣٥).
(٢) رواه ابن ماجه رقم (٣٩١٥)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده رقم (٤١٣١)، والحاكم في المستدرك (٤/ ٣٩١)، عن أنس وفي سنده يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (٣/ ٢١٦)، والألباني في ضعيف ابن ماجه (٨٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>