للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بيوسف، {فَلَمّا جاءَهُ الرَّسُولُ} توقف عند الخروج، وقال للرسول: ارجع إلى سيدك، وقل له: {ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} وأراد بذلك أنه كان قد حبس على تهمة، وكثر القول من النسوة وغيرهن في تهمته مما هو بريء منه؛ فأراد يوسف ألا يخرج إلا بعد أن يكشف الحق وتظهر البراءة؛ فسأل العزيز النسوة فقلن: {حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} فقالت امرأة العزيز: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: ثبت واستقر؛ قال الشاعر يصف بعيرا [من الطويل]:

فحصحص في صمّ الصّفا ثفناته (١) ...

وإن يوسف {لَمِنَ الصّادِقِينَ} في قوله: {هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} ثم اختلف الناس في قائل {ذلِكَ لِيَعْلَمَ} فقال قوم: هو من قول يوسف، والتقدير: ذلك التوقف عن الخروج لما طلبني الملك أول مرة {لِيَعْلَمَ} الملك {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} وقال بعض المفسرين تفريعا على هذا: لما قال: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف (٢). وقال قوم: هو من قول امرأة العزيز؛ فإنها لما قالت: {أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} قالت: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ} أي: يوسف {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ} (٨٨ /أ) في حال غيبته لما ذكر، وعلى هذا يكون الكلام متصلا بعضه ببعض، وعلى القول الأول انقطع كلام امرأة العزيز.

{وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)}


= تحقيق: محمود فاخوري وعبد الحميد مختار.
(١) هذا صدر بيت لحميد بن ثور، وعجزه:
وناء بسلمى نوأة ثم صمها. ينظر في: تاج العروس للزبيدي (حصحص)، روح المعاني للألوسي (١٢/ ٢٥٩)، غريب الحديث لابن سلام (٤/ ٣٠٢)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٤٧٩)، لسان العرب (حصحص - صمم) والصم: الصلبة. والثفنات: كل شيء ولي الأرض من البعير إذا برك وهي الركبتان والفخذان وغيرهما، وناء: قام متثاقلا بسلمى محبوبته، نوأة: نهضة واحدة لم يتردد، ثم صمم على السير.
(٢) رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٢)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٥٤٨) لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس - رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>