{وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ} إلا من رحم ربي. في المثل:
"يستدل على الرجل بكلامه وبشعره"، ومن هذا قوله:{فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا} جعل العلة في مكانته عنده أنه علم من فصاحة كلامه وحسن إيراده أنه حقيق بالمكانة، فعجل يوسف والتمس النيابة في تدبير أمر الأوقات؛ فيقال: إنه أخر إجابته مدة، والحق أن يوسف علم من نفسه الكفاية والأمانة، وأنه متعين لتدبير ما يطرأ على الناس من الشدة، وعلل ذلك بكونه حفيظا عليما، وإذا تم الوصفان تعين للولاية، ومن علم التعيين للولاية وجب عليه، ويجوز للمسلم قبول الولاية من الكافر لما يترتب عليه من المصلحة (١).
ومثل ذلك التمكين {بَوَّأْنا} جعلناها مباءة ينزل منها حيث يشاء.
(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي (٢٠/ ٥٦ - ٥٧): "ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومساءلته أن يجعله على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفارا كما قال - تعالى: وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمّا جاءَكُمْ بِهِ الآية، وقال - تعالى - عنه: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ الآية. ومعلوم أنه مع كفرهم لابد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال، وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته مما لم يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.