للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعقوب، فأخذت حياصة كانت لإسحاق جده، فشدتها بين أثوابه وردته إلى يعقوب، ثم قالت: فقدت الحياصة. فوجدها في ثياب يوسف (١) فعدوا ذلك سرقة منه، ثم استعطفوا يوسف وقالوا: {إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ} (٨٩ /أ) {قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ} غير السارق، فإن أخذنا غيره إنا لظالمون. {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا} من رد يوسف أخاهم إليهم انفردوا يتشاورون سرّا فيما يصنعون {فَلَنْ أَبْرَحَ} أرض مصر. {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهلها؛ كقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ} الآية (٢) وقيل: اسأل القرية بعينها؛ فسينطقها الله وتخبرك، وليس ذلك ببعيد من الأنبياء.

قال يعقوب بناء على غلبة الظن: {بَلْ سَوَّلَتْ} بل سهلت وزينت {عَسَى} هاهنا ناقصة وفي قوله: {عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} (٣) تامة لا خبر لها. وأعرض يعقوب عن بنيه إعراض المتألم والكاره لما جرى {وَقالَ يا أَسَفى} قيل: نادى الأسف وقال: تعال يا أسف فهذا وقتك. وقيل: المنادى محذوف، والتقدير: يا قوم أسفا على يوسف.

{كَظِيمٌ} كاظم غيظه وأصل الكظام: ما تشدّ به القربة فيمنع ما فيها من الخروج والسيلان {تَاللهِ} ما يقسم بالتاء إلا فيما يتعجب منه. {تَفْتَؤُا} أي: لا تزال. البثّ هو الألم؛ لأنه سبب الشكوى والبث. ويقال: إن ملك الموت زار يعقوب فقال له يعقوب هل: قبضت روح يوسف؟ فقال: لا، فهو معنى قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ}.

{فَتَحَسَّسُوا} اطلبوا بحواسكم كلها. {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ} من رحمته وتنفيسه الكربات. {فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ} أي: على يوسف. {مُزْجاةٍ} مسوقة يدفعها قوم إلى قوم أي: ليست بمرغوب فيها. {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا} برد أخينا؛ لأن الصدقة كانت محرمة على الأنبياء.

{قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩)}

{قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ}


(١) رواه الطبري في تفسيره (١٣/ ٢٩) وفيه أنه أخذ منطقة إسحاق، والمنطقة والنطاق والمنطق: كل ما شد به وسطه غيره. والحياصة من حاص الثوب يحوصه حوصا وحياصة: خاطه.
ينظر: لسان العرب (حوص - نطق).
(٢) سورة الطلاق، الآية (٨).
(٣) سورة الحجرات، الآية (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>