للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي أنذروا.

{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ} يستنكف من استصحابها في ثوب أو جسد، ففاجأ بكونه خصيما شديد الخصومة. و {وَالْأَنْعامَ} هي الإبل والبقر والغنم، ومما تفرد به هذا الاسم أنك إن أفردته فقلت: النّعم كانت إبلا محضة، وإن جمعته فقلت: أنعام. كان إبلا وبقرا وغنما. {لَكُمْ فِيها دِفْءٌ} بأصوافها وأوبارها وأشعارها يصنع منها ما يستدفأ به.

{وَمَنافِعُ} سوى الاستدفاء من وقاية حرّ الشمس. {وَمِنْها تَأْكُلُونَ} أي: من لحومها، ويجوز أن يراد ومن أجرتها إذا أوجرت، وألبانها إذا حلبت، وأصوافها وأشعارها إذا نسجت، مأكلة لكم تجدون منها القوت، كقولك: أنا إنما آكل من هذه الدار، أي: من أجرتها. إذا جاءت النعم من المرعى يفتخر أهلها بها يقولون: هذه نعم بني فلان، وقدّم وقت الإراحة؛ لأنها تعود حفّلا (١) باللبن، فالجمال بها أكثر من وقت خروجها للمرعى محلوبة.

{وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨)}

حذف مفعول {تُرِيحُونَ} و {تَسْرَحُونَ} لدلالة الكلام عليه، وهو دليل على أن يقال:

سرحت النعم. مخففا، بمعنى سرحتها. {لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ} لو لم يكن لكم أنعام إلا بمشقة شديدة. {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} خلق هذه الأنعام وهيأها لمصالحكم.

{وَالْخَيْلَ} معطوف على {وَالْأَنْعامَ} وقد احتج به من زعم أن الخيل لا يؤكل لحمها، ولا حجة فيه؛ لأن لفظ الآية لا يدل على تحريم ولا تحليل (٢).

وشرط المفعول من أجله أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل، فإن لم يكن كذلك وجبت اللام فلما كان الركوب فعلا لغير الخالق أتى فيه باللام في قوله: {لِتَرْكَبُوها} ولما كانت الزينة من فعل الله الذي خلق لم يأت باللام (٣) ومثله قوله - تعالى: {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}


(١) حفل: جمع حافل: أي ممتلئ لبنا. ينظر: لسان العرب (حفل).
(٢) ينظر: بداية المجتهد لابن رشد (١/ ٦٥٥)، بدائع الصنائع للكاساني (٤/ ١٤٩).
(٣) المفعول له ويسمى المفعول لأجله ومن أجله وهو كل مصدر معلل لحدث مشارك له في الزمان والفاعل وذلك كقوله - تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ فالحذر مصدر -

<<  <  ج: ص:  >  >>