للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)}

{وَأَوْحى رَبُّكَ} ألهمها، فصارت كالمخاطبة بقوله: {اِتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً} {فَاسْلُكِي} ويسر الله عليها سلوك الأماكن البعيدة والهداية إلى أماكنها بعد بعدها عنها وهو قوله:

{فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} أي: ميسرة مسهلة من قولهم: دابة ذلول {فِيهِ شِفاءٌ} ولم يقل فيه الشفاء؛ لأن فيه شفاء بعض الأمراض دون بعض (١).

وأرذل العمر: الهرم (١٠١ /أ) وهو أن يصير كثير النسيان، وتضعف قواه التي في بدنه كلها {وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فكما لا يشارك العبيد مواليهم في أرزاقهم كذلك لا يشارك الصنم الذي هو مثل العبد مولاه في ذلك {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي: من جنسكم. الحفدة: هم الذين يسرعون في المشي حول كبيرهم؛ لأن خطاهم قصيرة، وخطى مواليهم طويلة، فيحتاج الحفدة إلى الإسراع، ومنه ما جاء في القنوت: "وإليك نسعى ونحفد" (٢) {رِزْقاً} عامل فيه {شَيْئاً} ومثله {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً} (٣).

{فَلا تَضْرِبُوا لِلّهِ الْأَمْثالَ} أي: لا تجعلوا له الأشباه. وحذف مفعول {يَعْلَمُ} و {تَعْلَمُونَ} لأن المراد المصدر وثبوته لله ونفيه عن الخلق؛ كقوله: {وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} (٤) {عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ} هذه الجملة الأخيرة سيقت للذم؛ كقوله: {مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ} (٥) ليس المراد تخصيص شيطان رجيم عن آخر ليس برجيم، فالعبد لا يملك شيئا عند الشافعي، وقال مالك: المراد تمييز هذا العبد عن عبد يملك (٦) {كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ} على من يخدمه {لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} لا يستطيعه.

{وَلِلّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ}


(١) تقدم التعليق على ذلك عند تفسير سورة البقرة، الآية (١٧٩).
(٢) تقدم تخريجه في سورة يوسف، الآية (١٨).
(٣) سورة الطلاق، الآية (١٠).
(٤) سورة آل عمران، الآية (١٥٦).
(٥) سورة آل عمران، الآية (٣٦).
(٦) ينظر: الأم للشافعي (٥/ ٦٩)، بدائع الصنائع للكاساني (٢/ ٤٩١)، المغني لابن قدامة (٤/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>