للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعبأ بها. وهذا جواب عن سؤال مقدّر، كأن قائلا قال: لا يستعاذ من التقي، إنما يستعاذ من الفاجر، فقال لها جبريل: إنني إنما جئت من جهة الذي استعذت به. قرئ {لِأَهَبَ} و (ليهب) (١) ولما كانت الأفعال الإلهية تجرى غالبا على أيدي الملائكة نسب الفعل إلى الملائكة؛ كقوله في قصة الملائكة مع إبراهيم (٢): {إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ} (٣) {إِنِّي} بمعنى من أين؟ بالغت في البعد عن الريبة بقولها: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} وهو أبلغ من أن تقول: ولم يطئني، أو لم يضاجعني.

قوله: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} هاهنا سؤال وهو أن "فعيلا" يأتي بمعنى الفاعل والمفعول، فإن كانت بمعنى الفاعل دخلت تاء التأنيث فيه، تقول: رجل رحيم، وامرأة رحيمة، وإن كانت بمعنى المفعول لا تدخل تاء التأنيث، تقول: امرأة قتيل، وطرف كحيل.

وهاهنا بغي بمعنى باغية، فقياسه: ولم أك بغية؟ والجواب: أنهم قالوا: إن أصله فعول وليس من فعيل الذي بمعنى فاعل، ولكنه من قولهم: امرأة بغو، كما يقال: فلان نهو عن السّرّ. فإن قلت: قد قال - تعالى: {وَالنَّطِيحَةُ} (٤) وهي منطوحة لا ناطحة؟

فجوابه: أن الهاء في نطيحة وذبيحة (١١٢ /ب) للنقل من الوصفية إلى الاسمية بدليل أنك لو ذكرت اسم الشاة فقلت: شاة نطيح إن أردت المفعول، ونطيحة إن أردت الفاعل.

{قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحْمَةً مِنّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢)}


(١) قرأ جمهور القراء «لأهب»، وقرأ أبو عمرو ويعقوب وورش وقالون بخلف عنه «ليهب».
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ١٨٠)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٣٦)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٤٤٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٤٩٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٠٨)، مجمع البيان للطبرسي (٦/ ٥٠٧)، معاني القرآن للفراء (٢/ ١٦٣)، النشر لابن الجزري (٣١٨/ ٢، ٣١٧).
(٢) كذا بالأصل "إبراهيم" والمعروف أن ذلك كان مع نبي الله لوط عليه السّلام، ولكن لعله يريد أنه كان في زمن إبراهيم عليه السّلام، وكانت بداية القصة مع إبراهيم عليه السّلام والملائكة، وسياق القصتين واحد كما ورد في غير موضع من القرآن الكريم.
(٣) سورة الحجر، الآية (٦٠) وسورة النمل، الآية (٥٧).
(٤) سورة المائدة، الآية (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>