للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: الورد: العطاش. {لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ} حتى يأذن الله، كما قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ} (١) وقوله: {إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ} يجوز أن يكون المراد: لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ، فمن اتخذ هو الشافع، ويجوز أن يراد: لا يملك الشفاعة إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا، وهو الإقرار بالشهادتين والإيمان بما جاء به الأنبياء فيكون من اتخذ مشفوعا فيه لا شافعا. والإد: هو الشيء المنكر.

{تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)}

{تَكادُ السَّماواتُ} تسقط، وتندك الجبال لعظم الجريمة التي أتوها، وهي ادعاؤهم للرحمن ولدا. فهذه الآية دليل على أن من ملك ولدا عتق عليه (٢)، ولا يملك الأب ابنه، لقوله - تعالى - هاهنا: {وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} فلولا أن الولادة تنافي العبودية لصار مثل قولك: زيد لا يصلح أن يكون إماما للجامع؛ لأنه لا يحفظ التنبيه. ويجوز الإخبار عن كل بالمفرد؛ كقوله: {إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ} ويخبر عنها بالجمع؛ كقوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ} (٣).

قوله: {فَرْداً} يشير إلى انفراده عما كان يستكثر به من المال والولد؛ كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى} (٤) وقوله: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} مفسر بما جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:" إن الله إذا أحبّ عبدا قال: يا جبريل إني أحب فلانا فأحببه. فيحبه جبريل، ثم ينادي في الملائكة: إن الله يحب فلانا فأحبوه. فتحبه الملائكة، ثم يوضع له القبول في الأرض " (٥).


(١) سورة البقرة، الآية (٢٥٥).
(٢) تقدم ذلك في تفسير سورة البقرة، الآية (١١٦).
(٣) سورة النمل، الآية (٨٧).
(٤) سورة الأنعام، الآية (٩٤).
(٥) رواه البخاري رقم (٦٠٤٠)، ومسلم رقم (٢٦٣٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>