(١) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٨/ ٤٣٩ - ٤٤٠): «وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين». ثم نقل الحافظ ابن حجر عن ابن العربي تضعيفه ورده للقصة وقال معقبا: «وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى؛ فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلّى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته، وقد سلك العلماء في ذلك مسالك فقيل: جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر فلما علم بذلك أحكم الله آياته وهذا أخرجه الطبري عن قتادة، ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلّى الله عليه وسلم ذلك ولا ولاية للشيطان عليه في النوم. وقيل: إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره ورده ابن العربي بقوله - تعالى - حكاية عن الشيطان وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ الآية قال فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقي لأحد قوة في طاعة. وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها، قال: وهذا أحسن الوجوه ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير تمنى ب «تلا» وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال قبله: إن هذه الآية نص في مذهبنا في براءة النبي صلّى الله عليه وسلم مما نسب إليه قال: ومعنى قوله في أمنيته أي في تلاوته فأخبر - تعالى - في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي صلّى الله عليه وسلم لا أن النبي صلّى الله عليه وسلم قاله. قال: وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب على هذا المعنى وحوم عليه».