للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلا في عبادة غيره، قاله الأخفش (١) وهو بعيد؛ لقوله: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} قيل: هم الأصنام. وقيل: هم كبراؤهم، وهم الذين أطاعتهم السفلة في التكذيب. وقيل: الشياطين الموسوسون بالضلال. وإنما خص الذباب بالذكر لحقارته واستقذاره، وأنه إذا ذبّ آب (١٣٥ /أ) فإذا كان بهذه المثابة في الحقارة ولم يقدر كبراؤهم على استنقاذ ما أخذه الذباب منهم، فكيف تعبدون غير الله؟! {ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} قيل: الطالب: الآلهة، والمطلوب: ما استنقذه الذباب. وقيل: الطالب: هو الذي استنقذ منه الذباب والمطلوب: هو المسلوب. قوله - عز وجل: {ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عظموه حق عظمته. وقيل: ما عرفوه حقّ معرفته.

{يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي: من أمر الآخرة {وَما خَلْفَهُمْ} أي: من أمر الدنيا.

وقيل: {ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمور السماء {وَما خَلْفَهُمْ} من أمور الأرض.

{وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ} أي: اعملوا لله - تعالى - حق عمله. وقيل: أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر.

وقوله: {حَقَّ جِهادِهِ} كقوله - تعالى: {اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ} (٢).

قيل: نسخت بقوله - تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (٣) وقيل: هي محكمة، والمراد فيما استطاعوا. {اِجْتَباكُمْ} اختاركم لدينه {مِنْ حَرَجٍ} أي: من ضيق. جاء في الحديث:

«بعثت بالحنيفيّة السمحة» (٤) فوسع أمر المعاصي بالتوبة، وأمر الأيمان بالكفارة. وقيل: هو


(١) ينظر: معاني القرآن للأخفش (٢/ ٦٣٧) وعبارته: «فإن قيل: فأين المثل؟ قلت: ليس هاهنا مثل؛ لأنه - تبارك وتعالى - قال: ضرب لي مثل فجعل مثلا عندهم لي فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي في قولهم، واتخاذهم الآلهة، وإنهم لن يقدروا على خلق ذبابة ولو اجتمعوا له، وهم أضعف لو سلبهم الذباب شيئا فاجتمعوا جميعا ليستنقذوه منه لم يقدروا على ذلك، فكيف تضرب هذه الآلهة مثلا لربها وهو رب كل شيء، الواحد الذي ليس كمثله شيء وهو مع كل شيء، وأقرب من كل شيء، وليس له شبيه ولا مثل ولا كفء وهو العلي العظيم الواحد الرب الذي لم يزل ولا يزال».
(٢) سورة آل عمران، الآية (١٠٢).
(٣) سورة التغابن، الآية (١٦).
(٤) رواه أحمد في المسند (٥/ ٢٦٦)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/ ٢٧٩) من حديث أبي أمامة ولفظه: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفسي بيده -

<<  <  ج: ص:  >  >>