وقال سيبويه في الكتاب (١/ ٣٨): «وليست عن وعلى هاهنا بمنزلة الباء في قوله: «وكفى بالله شهيدا» و «ليس بزيد»؛ لأن عن وعلى لا يفعل بها ذاك، ولا ب «من» في الواجب. ونقله عن سيبويه ابن يعيش في شرح المفصل (٧/ ١٣)، ونقل عن الأخفش جواز زيادتها في الواجب. قال العكبري في «اللباب في علل البناء والإعراب» (١/ ٣٥٥ - ٣٥٦) - معللا رأي سيبويه ومؤيدا له -: «ودليلنا أن «من» حرف، والأصل في الحروف أنها وضعت للمعاني اختصارا من التصريح بالاسم أو بالفعل الدال على ذلك المعنى كالهمزة، فإنها تدل على الاستفهام، فإذا قلت: أزيد عندك؟ أغنت الهمزة عن «أستفهم»، وأخذت من المال، أي: بعضه. وما قصد به الاختصار لا ينبغي أن يجيء زائدا؛ لأن ذلك عكس الغرض، وإنما جاز في مواضع لمعنى من توكيد ونحوه. ولا يصح ذلك المعنى هنا. ثم رد على الأخفش ومن وافقه احتجاجه بقوله - تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ [البقرة: ٢٧١] ويَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [الأحقاف: ٣١] والمراد: الجميع. ثم قال العكبري: والجواب: أن «من» هنا للتبعيض، أي: بعض سيئاتكم؛ لأن إخفاء الصدقة لا يمحي كل السيئات. وأما «من ذنوبكم» فللتبعيض أيضا؛ لأن الكافر إذا أسلم قد يخفى عليه ذنب وهو مظالم العباد الدنيوية. أو تكون «من» هنا لبيان الجنس». اه من اللباب للعكبري. وينظر في ذلك أيضا: أسرار العربية لابن الأنباري (ص: ٢٦٠)، الجنى الداني للمرادي (ص: ٣١٧ - ٣١٨)، شرح المفصل لابن يعيش (٧/ ١٣)، المغني لابن هشام (١/ ٣٢٣ - ٣٢٤)، همع الهوامع للسيوطي (٢/ ٣٧٩ - ٣٨٠). (٢) رواه الطبري في تفسيره (١٨/ ١١٦) عن أبي العالية.