للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على زيادة الباء؛ كقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى} (١) فإن قلت: متى رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم تسبيح من في السماوات والأرض والطير ودعاءه، وتنزيل المطر من جبال برد في السماء حتى قيل له: {أَلَمْ تَرَ}؟ قيل: علم ذلك من جهة الوحي.

فإن قلت: ما الفرق بين {مَنْ} الأولى والثانية والثالثة؟ قلت: الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة لبيان الجنس. وقوله: {مِنْ جِبالٍ} يجوز أن يخلق الله - تعالى - في السماء جبالا من برد، كما خلق في الأرض جبالا من حجر، ويحتمل أن يراد بالجبل الكثرة، تقول: عند فلان جبال من ذهب.

{يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨)}

ولما كان اسم الدابة يقع على من يعقل ومن لا يعقل غلب ما يعقل في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ} و {مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ} وهما لا يعقلان، فقال فيهما: {مِنْ} والقياس: ما يمشي.

وخلق الله - سبحانه وتعالى {مِنْ ماءٍ} هو النطفة؛ كقوله: {يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} (٢) وسمى الزحف على البطن مشيا استعارة؛ كقولك: مشى هذا الأمر. وقوله: {وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} إشارة إلى القائلين: (آمنا وأطعنا) أو إلى المعرضين منهم، وعرف المؤمنين إشارة إلى أنهم ليسوا بالكاملين في الإيمان المطيعين للأوامر.

معنى {إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ} أي: إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كقولك: أعجبني زيد وكرمه، أي:

كرم زيد، ومنه قوله [من الرجز]:

عجبت من نفسي ومن إشفاقها (٣) ...


(١) سورة البقرة، الآية (١٩٥).
(٢) سورة الرعد، الآية (٤).
(٣) ينظر بلا نسبة في: غريب الحديث لابن قتيبة (١/ ٢٦٣) وتكملته ومناسبته قال ابن قتيبة: -

<<  <  ج: ص:  >  >>