للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية فينا وفي بني أمية، ستكون لنا عليهم الدولة، فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة، ويلحقهم هوان بعد عزة (١).

{وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧)}

{وَما يَأْتِيهِمْ} وما يجدّد الله لهم بوحيه موعظة وتذكيرا إلا أعرضوا عنه، وخالف بين الألفاظ والغرض واحد وهي الإعراض والتكذيب والاستهزاء، والغرض وإن تقارب فهو مختلف؛ لأنهم حين أعرضوا فقد كذبوا، ولما كذبوا شرعوا في الاستهزاء. {فَسَيَأْتِيهِمْ} تهديد معناه: سيعلمون في الآخرة خبر ما كذبوا به، وهو القرآن، فإنه الفصل الحق الذي لا محيد عنه. {زَوْجٍ كَرِيمٍ} الكريم: وصف لكل ما يحمد ويرضى به، تقول وجه كريم:

مرضيّ في جماله، وكتاب كريم: مرضيّ في معانيه وفوائده.

وقال [من المنسرح]:

حتّى يشقّ الصّفوف من كرمه (٢) ...

أي: من كونه مرضيا في شجاعته وبأسه. والنبات الكريم: المرضيّ فيما يتعلق به من المنافع. {إِنَّ فِي} إنبات تلك الأصناف {لَآيَةً} دليلا على أن منبتها قادر على إحياء الموتى، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجوّ إيمانهم.

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب {الرَّحِيمُ} من آمن وعمل صالحا (١٥٤ /أ)

فإن قيل: ما معنى الجمع بين كل وكم؟ ولو قيل: كم أنبتنا فيها من زوج كريم؟

قلنا: قد دل "كل" على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، ودلت "كم" على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، ونبه بذلك على كمال قدرته، ووصف الزوج بالكرم يحتمل وجهين:

أحدهما: أن النبات على قسمين: نافع وضار، فذكر النافع وترك الضار.


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٣/ ٢٩٩).
(٢) هذا عجز بيت لرجل من حمير يمدح قومه، وصدره:
ولا يخيم اللقاء فارسهم ... ينظر في: ديوان الحماسة (١/ ١٢٣)، روح المعاني للألوسي (١٩/ ٦٢)، الفائق للزمخشري (٣/ ٣٦٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٠٠) ولا يخيم: لا يجبن عن اللقاء. ومن كرمه: من شجاعته وجرأته.

<<  <  ج: ص:  >  >>