للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن يريد جميع النبات من نافع وضار؛ لأنه تعالى حكيم ما يفعل شيئا إلا بمقتضى حكمة ولا بد في النوع الضار من منفعة، إما بقتل طاغية من الطغاة أو يستعمل اليسير منه للأمراض الخطرة وغير ذلك.

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢)}

قوله: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً} ولم يقل: لآيات، مع أن النبات متكثر لوجهين:

أحدهما: أن المراد إن في كل واحد لآية.

والثاني: أن يكون الضمير عائدا على الإنبات، إن في إنبات ذلك.

سجل عليهم بالظلم بأن وصفهم به أولا، ثم عطفهم على {الظّالِمِينَ} عطف البيان كأن حقيقة الظالمين إنما هي هؤلاء، وكأنهما لفظان مترادفان، إن شئت فسمّهم بالقوم الظالمين، وإن شئت فسمهم بقوم فرعون، وهم ظلمة من وجهين:

أحدهما: شركهم؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (١٣) (١).

والثاني: ظلمهم بني إسرائيل لاستعبادهم.

قوله: {أَلا يَتَّقُونَ} قرئ بكسر النون أصله: يتقونني، فحذفت إحدى النونين لاجتماع المثلين تخفيفا، وقوله: {أَلا يَتَّقُونَ} كلام مستأنف. لما وصف قوم فرعون بالظلم فعجب الناس من جرأتهم على الله وأنهم لا يخافون عقابه، ومن قرأ (ألا تتّقون) (٢) فهو التفات عن الغيبة إلى الخطاب، وأجرى الوحي إلى موسى بذلك مجرى خطاب الكفار به وكم آية أنزلت في حق الكفار والقصد بها تسميع المؤمنين.

{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)}


(١) سورة لقمان، الآية (١٣).
(٢) قرأ "تتقون" بالخطاب عبيد بن عمير وأبو حازم، وقرأ الجمهور "يتقون" بالغيبة.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٧)، تفسير القرطبي (١٣/ ٩٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٦٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٠١)، المحتسب لابن جني (٢/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>