للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جواري الحي، وذلك يدل على ابتهاجه بهذا اللباس، وعلى ابتهاج قوم إبراهيم بعبادة الأصنام. وإنما قالوا: نظل. لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.

لابد في {يَسْمَعُونَكُمْ} من تقدير، وهو هل يسمعون دعاءكم؟ فإنك لو قلت: سمعت زيدا. لم يستقم حتى تقول: سمعته يقول أو يحدث. وقرئ {يَسْمَعُونَكُمْ} بضم الياء (١)، أي: هل يسمعونكم جوابا؟ وجاء ب‍ {يَسْمَعُونَكُمْ} فيما مضى متكررا دعاؤكم (١٥٧ /ب) إياهم، ولم يجيبوا قط في حال من الأحوال، فلما أجابوا إبراهيم باتباع التقليد قال لهم:

انتهوا بالتقليد إلى غاياته، وهو تقليد الأقدمين من آبائكم وصور المحاكمة في نفسه فقال:

{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} كأنه قال: وجدت عبادتي للشيطان متابعة لعدو، وقد أخبرنا الله بعداوته لنا، وهذه نصيحة بدأت فيها بنفسي. العدو: واحد أتى به في موضع الجمع كما في المصادر {إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ} قيل: هو استثناء منقطع معناه لكن {فَهُوَ يَهْدِينِ} هدى كل حيوان إلى مصالحه.

وقال: {وَإِذا مَرِضْتُ} ولم يقل: أمرضني؛ لأن أكثر الأمراض تحصل من سوء تصرف العبد في زيادة أكل أو نقصه أو في جنس المطعوم. وقيل: استعمل الأدب مع الله تعالى، فنسب الأمراض إلى نفسه ونسب العافية إلى الله.

قوله: {خَطِيئَتِي} ما ينذر وقوعه من الأنبياء عليهم السلام من الصغائر. وقيل: هو قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} (٢) وقوله للقمر: {هذا رَبِّي} (٣) وقوله لسارة: هي أختي، وما هذه إلا معاريض، فهي حق وليست كذبا، والصغائر تقع مكفرة باجتناب الكبائر عند المعتزلة وعندنا أمرها راجع إلى المشيئة {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} (٤) وإنما استغفر إبراهيم عند المعتزلة تواضعا وتعليما لأمته، وطلب المغفرة يوم الدين والمغفرة ممكنة في الدنيا؛ لأن ظهور أثر المغفرة إنما يظهر في الآخرة (٥).


(١) قرأ بها قتادة. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٢٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٢٧٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣١٨)، المحتسب لابن جني (٢/ ١٢٩).
(٢) سورة الصافات، الآية (٨٧).
(٣) سورة الأنعام، الآية (٧٦).
(٤) سورة النساء، الآية (٤٨).
(٥) تقدم الحديث عن ذلك في سورة النساء، الآية (٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>