للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حنيفة كانت أنثى؛ لقوله تعالى: {قالَتْ نَمْلَةٌ} ولم يقل: قال نملة، ولأن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى، فيميّز بينهما بعلامة تقول: حمامة ذكر وحمامة أنثى (١) ولمّا وصف النملة بالقول أجراها مجراهم في قوله: {مَساكِنَكُمْ} و {لا يَحْطِمَنَّكُمْ} وهو كقوله (١٦٣ /ب) {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} (٢) يريد الشمس والقمر.

وقوله: {لا يَحْطِمَنَّكُمْ} يجوز أن يكون جوابا للأمر، وأن يكون نهيا.

{لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ} والمراد جنوده، أو المجموع؛ كقولك [من الرجز]:

عجبت من نفسي ومن إشفاقها (٣)

{فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً} أخذ في الضحك؛ لأنه تجاوز حدّ التبسم منتهيا إلى الضحك وهذا هو الضحك النبوي، وأما ما روي "أنه صلّى الله عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه" (٤) فهو مبالغة في ضحك النبوة، وإنما ضحك سليمان من قولها كاشفة لعذر سليمان بقولها: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يعني: أنهم لو شعروا لم يفعلوا، وسرورا بما وهبه الله تعالى من إطلاعه على كلام بصوت خفيّ من نملة حتى وعاه سليمان وعرفه.

{فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤)}

ولا جرم دعا ربّه فقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي} ومعنى {أَوْزِعْنِي} اجعلني أزع شكر نعمتك


(١) ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف (٣/ ٣٥٦)، والسمين الحلبي في الدر المصون (٥/ ٣٠٢).
(٢) سورة يوسف، الآية (٤).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة النور، الآية (٤٨).
(٤) رواه البخاري في صحيحه رقم (٧٥١٣، ٧٤١٥، ٧٤١٤، ٤٨١٨)، ومسلم رقم (٣٠٩، ٣٠٨)، والترمذي رقم (٣٢٣٨)، وأحمد في المسند (٤٥٧، ١/ ٤٢٩)، عن ابن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>