وأكفه وأجعله مرتبطا؛ حتى لا أزال شاكرا لك، وأدرج ذكر والديه؛ لأن النعمة على الولد نعمة على الوالد؛ خصوصا النعم الدينية. وروي أن النملة أحسّت بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء؛ فأمر سليمان عليه السلام الريح فوقفت؛ لئلا يذعون حتى دخلن مساكنهن. قوله:{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ} أي: واجعلني من أهل الجنة
(أم) هي المنقطعة. نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يره فقال:{ما لِيَ لا أَرَى} على تقدير أن الهدهد حاضر وسليمان لا يراه بل كان غائبا. وروي أن سليمان نزل بصنعاء فرأى أرضا مخصبة فنزل بعسكره يستريح فطار الهدهد حين نزل سليمان فلقي هدهدا آخر فتواصفا ملك صاحبيهما وفي ذلك الوقت تفقّد سليمان الهدهد فلم يره. وقيل: نزلت الشمس على سليمان فرأى موضع الهدهد خاليا؛ فقال:{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} أي: ليكونن أحد هذه الأمور الثلاثة، فطلب العقاب، وقال: ائتني بالهدهد، فتوجه لطلبه، فلما أدركه قصد إليه فقال له الهدهد: أسألك بالذي أقدرك عليّ وأضعفني إلاّ تركتني. فقال له العقاب: إن سليمان قال كذا وكذا، فرجع مع العقاب إلى سليمان، فلمّا رأى الهدهد سليمان أرخى جناحيه دلاّ بين يدي سليمان (١٦٤ /أ) فقال له: أين كنت عن موقفك؟ فقال:{أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ} من خبر بلقيس {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} الآيات.
والمرأة بلقيس بنت شراحيل، وكان عرشها قوائمه من ذهب، وكان مكللا بالجواهر المختلفة. فإن قلت: كيف وصف الهدهد عرش بلقيس بالعظم، وقد رأى ملك سليمان وعظمته؟ قلت: استصغر بلقيس عن أن تملك مثله؛ فعظم بالنسبة إليها، ويجوز ألا يكون لسليمان مثله، وإن عظمت مملكته في كل شيء كما يكون لبعض أمراء الأطراف شيء لا يكون مثله للملك. وقوله:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: من كل شيء يحتاج إليه الملك؛ لأنه عطف على الملك خاصة، وقول سليمان:{وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي: من النبوة والحكمة والمعجزة؛ لأنه عطف على قوله:{عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} إلى آخر الآية. وألهم الله الهدهد وعلمه أن بلقيس وقومها لا يهتدون، وأن الشيطان زين لهم ذلك كما ألهم جميع الحيوانات مصالحها.