للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {إِلاَّ اللهُ} استثناء من غير الجنس؛ لأن الله ليس فيهما، وكان حقه أن ينتصب، وهذا على لغة بني تميم؛ حيث يقولون: ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون: ما في الدار إلا حمار؛ كأن أحدا لم يكن، ويقولون: ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه، وإنما عدل إلى اللغة التميمية دون الحجازية ليصير الكلام في تقدير: إن كان الله في السماوات والأرض فهم يعلمون الغيب، لكنه ليس كذلك؛ فلا يعلمون الغيب؛ كقول الشاعر [من الطويل]:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب (١)

يعني: إن كنت تعد فلول السيف من قراع الكتائب عيبا.

كذلك قوله [من الرجز]:

وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس (٢)

أي: إن كنت تعد اليعافير والعيس أنيسا فتلك البلدة بها أنيس. فإن قلت: هلاّ زعمت أن الله ممن في السماوات والأرض كما يقول المتكلمون: الله في كل مكان، على معنى أن علمه في الأماكن كلها؛ فكأن ذاته فيها حتى لا نحمله على لغة بني تميم؟ قلت:

يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز، وكونه فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة الحقيقة والمجاز ممتنع، على أن قولك: من في السماوات والأرض، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد فيه إيهام تسوية، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته؛ ألا ترى كيف قال - عليه السلام - لمن قال: ومن يعصمها فقد غوى -: "بئس خطيب القوم أنت" (٣).وقيل: نزلت في الكفار حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت مجيء الساعة. {أَيّانَ} بمعنى متى، ولو سمي به لكان فعالا من آن يئين، ولكان مصروفا؛ لأن النون أصلية. وقرئ "إيان" بكسر الهمزة (٤).


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة المائدة، الآية (٥٩).
(٢) البيت لجران العود، ينظر في: التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري (١/ ٣٥٣)، خزانة الأدب للبغدادي (١٠/ ١٥)، الدرر اللوامع للشنقيطي (٣/ ١٦٢)، ديوان جران العود (ص: ٩٧)، شرح أبيات سيبويه للسيرافي (٢/ ١٤٠)، شرح المفصل لابن يعيش (٢/ ١١٧).
(٣) رواه مسلم في صحيحه رقم (٨٧٠)، وأبو داود في سننه رقم (١٠٩٩)، وأحمد في مسنده (٣٧٩/ ٤، ٢٥٦)، والحاكم في المستدرك (١/ ٢٨٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ٨٦) عن عدي بن حاتم.
(٤) قرأ بها السلمي. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٩٢)، الدر المصون للسمين الحلبي -

<<  <  ج: ص:  >  >>