للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} الثابت، وفيه بيان أن صاحب الحق عليه أن يتوكل على الله؛ لأنه علل الأمر بالتوكل ب‍ {إِذا} الدالة على التعليل.

وقوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى} علل ترك اتباعهم بأنهم مختوم على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فجعلهم موتى وصمّا؛ لأن إنذاره ثمّ لا يحصل لهم به نفع؛ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي به ما وجب عليه من البلاغ، والأعمى إذا ولى عنك هاربا كان بعيدا من فهم ما تقوله؛ فلذلك قال: {إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}. {إِنْ تُسْمِعُ} أي: ما يجدي إلا من آمن بآيات الله وهو منقاد إلى ما يؤمر به. سمي مؤدى القول ومعناه قولا في قوله: {وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ} وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب. {أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً} دابة الأرض هي: الجساسة لا يدركها طالب (١٦٨ /ب) ولا يفوتها هارب {أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ} أي: بخروجي لأنها من آيات الله؛ فهذا من كلامها. وعن السّدّي: تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام. وقيل: معها خاتم سليمان وعصا موسى عليهما السلام، تنكت المؤمن في وجهه فيستنير وجهه حتى يصير كالكوكب الدري، وتنكت وجه الكافر فيسودّ وجهه (١).

وقيل: إنها تخرج من الصفا. وقرئ {تُكَلِّمُهُمْ} بالتخفيف (٢) أي: تجرحهم، وكذلك من قرأ {تُكَلِّمُهُمْ} بالتشديد (٣) يجوز أن تكون متابعة في {تُكَلِّمُهُمْ؛} كما تقول: تجرحهم وتجرّحهم.

قوله: {أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} تبكيت بليغ، جعل فيه صدر الكلام هو المقصود، وهو قوله: {أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً} وجعل بقية الكلام تشبيها بكلام المغضب الذي يقول لوكيله الخائن: أنت كنت تأكل مالي، أم ماذا كنت تصنع؟ {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا} أي: القول، وهو العذاب.

{أَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦)}


(١) رواه الترمذي رقم (٣١٨٧)، والطبري في تفسيره (٢٠/ ١٥) وقال الترمذي: حسن غريب.
(٢) وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زرعة والجحدري. تنظر في: الإملاء للعكبري (٢/ ١٧٥)، البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ١٠٠)، تفسير القرطبي (١٣/ ٢٣٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٢٨)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ١٥٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٦٠)، المحتسب لابن جني (٢/ ١٤٤)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٣٠٠).
(٣) قرأ بها جمهور القراء. تنظر في المراجع السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>