للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استجابة المدعوّ، فيكون معنى قوله: {لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ،} أي: لم يستجيبوا لأجلك، وإذا عدّي الفعل بنفسه، كما في قول الشاعر: فلم يستجبه - جاز دخول اللام وحذفها، تقول:

استجاب الله دعاءك، ولا يكاد يقال: استجاب الله لك دعاءك.

فإن قلت: فالاستجابة تقتضي دعاء ولا دعاء هاهنا؟! قلت: قوله: {فَأْتُوا بِكِتابٍ} استدعاء للإجابة. {بِغَيْرِ هُدىً} في موضع الحال {وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ} أي: أنزلناه متواصلا؛ وعدا ووعيدا وعبرا. (ليتفكروا) قيل: نزلت في أربعين من مسلمي أهل الإنجيل؛ اثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من الشام، والضمير في {مِنْ قَبْلِهِ} للقرآن.

{مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} وكل من اتبع نبيّا فهو مسلم. {بِما صَبَرُوا} بصبرهم على إيذاء الكفار، أو بثبوتهم على دين الحق. {بِالْحَسَنَةِ} الطاعة. {السَّيِّئَةَ} (١٧٣ /أ) المعصية المتقدمة.

{سَلامٌ عَلَيْكُمْ} سلام متاركة. {لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ} لا نريد مخالطتهم وصحبتهم. {لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} لا تقدر على أن تدخل في الإسلام من طبع على قلبه. قال الزجاج (١): أجمع المسلمون على أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أن أبا طالب لما حضرته الوفاة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله" فقال: أما والله إني لأعلم أنك صادق ولولا أن تعيرني نساء قريش لأقررت بها عينك؛ فقال له بعض من حضر: أنت على دين آبائك، فكان آخر ما قاله هو على ملة الأشياخ (٢).

{وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَكُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)}

وقالت الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نخاف إن اتبعناك أن تتخطفنا العرب. فأجاب الله تعالى وقال: قد مكنت لخدمة البيت {حَرَماً آمِناً} وهم كفار فإذا ضموا إلى ذلك الإيمان كانوا


(١) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/ ١٤٩)، وفيه: أجمع المفسرون.
(٢) رواه البخاري رقم (٤٦٧٥، ٣٨٨٤، ١٣٦٠)، ومسلم رقم (٢٤٢٥)، وأحمد (٥/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>