للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّ فِيها لُوطاً} اعتراض على الملائكة، حيث قالوا: {إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ،} أي: فيها من لا يستحق العقوبة، فأجابته: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها} ووعدوه نجاة لوط وأهله، ثم جددت الملائكة استحقاق الوعيد على قوم لوط؛ فقالوا: {إِنّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً} أي: عذابا {مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}. قوله عز وجل:

{وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً} مثل مضروب بقصير اليد لو أمدها ليأخذ شيئا لم تصل. ومثل القويّ بطويل إذا مدّ يده إلى شيء وصل إليه. الرجز والرجس: العذاب؛ من قوله: ارتجز وارتجس: إذا اضطرب. {مِنْها} أي: من القرية. {آيَةً بَيِّنَةً} آثار هلاكهم. قوله:

{لِقَوْمٍ} يتعلق ب‍ {تَرَكْنا} أو ب‍ {بَيِّنَةً} {وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} أي: افعلوا ما تستحقون به النجاة من العذاب. وقيل: هو من الرجاء؛ بمعنى الخوف.

{الرَّجْفَةُ} الزلزلة الشديدة، وعن الضحاك: صيحة جبريل عليه السلام؛ لأن القلوب رجفت لها (١). {فِي دارِهِمْ} في بلدهم (١٧٧ /أ) وأرضهم. {جاثِمِينَ} باركين على الركب.

قوله: {وَعاداً وَثَمُودَ} منصوب بإضمار: أهلكنا؛ لأن قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} يدل عليه. {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ} ذلك من هلاك مساكنهم {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} الآية (٢). {وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} عقلاء قادرين على النظر في مصالح دينهم؛ فأهملوا ذلك. وقيل: كانوا متثبتين أن العذاب نازل بهم؛ لأن ذلك قد بين على ألسنة الرسل، ولكنهم لجوا حتى هلكوا {سابِقِينَ} فائتين، أدركهم أمر الله فلم يفوتوه.

الحاصب لقوم لوط: وهو ريح عاصف فيها حصباء. وقيل: ملك كان يرميهم.

والصيحة لمدين وثمود، والخسف لقارون، والغرق لقوم نوح وفرعون. الغرض تشبيه ما اتخذوه مثلا ومعتمدا في دينهم، وتولوه من دينه بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة وهو نسج العنكبوت ولذلك قال: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}. فإن قلت: كل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت؟ قلت: معناه: {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} أن


(١) ذكره البيضاوي في تفسيره (٤/ ٣١٦)، والشوكاني في فتح القدير (٤/ ٢٠٢).
(٢) سورة الفرقان، الآية (٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>