للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتمثيل رافعي الأصوات بالحمير وأمرهم بخفض الصوت، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، ونقل الكلام عن التشبيه إلى الاستعارة إنكار بليغ عليهم. وأفرد الصوت؛ لأن المراد أن كل واحد من هذا الجنس، وصوته منكر وليس المراد أن أصواتها إذا اجتمعت تشبه بشيء مجتمع. {ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} من الشمس والقمر والنجوم والسحاب (١٨٤ /أ) (وغير ذلك وما في الأرض) البحار والمعادن وما لا يخفى.

{وَأَسْبَغَ} قرئ بالصاد (١) وهكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف؛ تقول في سلخ: صلخ، وفي سقر: صقر، وفي سالغ: صالغ (٢). فإن قلت: ما النعمة؟

قلت: كل نفع قصد به الإحسان. والله تعالى خلق العالم كله نعمة؛ لأنه إما حيوان وإما غير حيوان، فأما الحيوان فالنعمة عليه بالإيجاد، ونفخ الروح، ولأنه لولا ذلك لما تهيأ منه الانتفاع بنعمة فهو نعمة، وما ليس بحيوان نعمة على الحيوان وقد أكثر الناس في معنى الظاهرة والباطنة؛ فقيل: الظاهرة: ما ترى العين، والباطنة: ما تعلم بالاستدلال.

وقيل: الظاهرة: أعمال الجوارح، والباطنة: أعمال القلوب. وعن الحسن: الظاهرة:

الإسلام، والباطنة: الستر (٣). وعن الضحاك: حسن الصورة، وامتداد القامة، وتسوية الأعضاء، والباطنة: المعرفة (٤). روي أن موسى عليه السلام قال: "إلهي دلني على أخفى نعمة أنعمت بها على عبادك، فقال: أخفى نعمتي عليهم النفس" (٥).وروي: أن أيسر ما يعذب به أهل النار الأخذ بالأنفاس (٦).


(١) قرأ جمهور القراء "وأسبغ" بالسين، وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة "وأصبغ" بالصاد.
تنظر القراءات في: الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣٩٠)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٢٤١)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢١٤)، مجمع البيان للطبرسي (٨/ ٣١٨)، المحتسب لابن جني (٢/ ١٦٨).
(٢) يقال: سلغت الشاة والبقرة تسلغ سلوغا وهي سالغ: تم سمنها. وقال الأصمعي: هي بالصاد لا غير، وغنم سلغ كصلغ، وسلغت البقرة والشاة تسلغ سلوغا إذا أسقطت السن التي خلف السديس فهي سالغ، وصلغت فهي صالغ الأنثى بغير هاء وذلك في السنة السادسة. ينظر: لسان العرب (سلغ).
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥٢٥).
(٤) رواه الطبري (٢١/ ٧٨)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥٢٥).
(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف (٣/ ٤٩٩).
(٦) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (٣/ ٧٧) وقال: غريب جدّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>