للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقضائه. و {هذا} إشارة إلى الخطب.

نذر جماعة من الصحابة أنهم إن حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتلوا حتى يقتلوا منهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وغيرهم {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ} يعني: حمزة ومصعبا.

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} يعني: عثمان وطلحة. وفي الحديث:" من أحب أن (١٩١ /أ) ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة " (١).وقضاء النحب: الموت فإنه إذا مات انقطع النذر ولم يبق وفاء بالشرط؛ فعبر عن انقضاء حكم النذر بوفائه، يقال: صدق وعده إذا صدق. وقولهم: صدقني أخوك وكذبني، أي: قال لك الصدق والكذب، وأما قولهم:

صدقني سن بكره (٢)؛ فالمراد: صدقني في سن بكره [بطرح الجار] (٣) وإيصال الفعل، فلا يخلو قوله: {صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} إما أن يكون مثل" صدقني في سن بكره "أو يجعل المعاهد عليه مصدرا؛ كقولك: صدقني الحديث؛ كأنهم قالوا للمعاهد عليه: سنفي بك وهم وافون به، فقد صدقوه، فلو كانوا ناكثين لكذبوه ولكان مكذوبا. {وَما بَدَّلُوا} العهد، وما غيروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة.

ولقد ثبت طلحة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شلت يده؛ فقال صلى الله عليه وسلم:" أوجب طلحة " (٤) أي: وجبت له الجنة، وفيه تعريض بمن بدل من أهل النفاق، ومرض القلوب، وجعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء، وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم؛ لأن كلا الفريقين مسوق إلى ما قضى له من ثواب أو عقاب.

{وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}


(١) رواه الترمذي رقم (٣٧٣٩)، وابن ماجه رقم (١٢٥)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (١٢٥) بمجموع طرقه.
(٢) هذا مثل يضرب للصادق في خبره ويقوله الإنسان على نفسه وإن كان ضارا له وأصله: أن رجلا ساوم رجلا في بكر ليشتريه فسأل صاحبه عن سنه، فأخبره بالحق فقال المشتري: صدقني سن بكره.
ينظر: النهاية في غريب الأثر لابن الأثير (٢/ ٤١٣).
(٣) زيادة من الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٣٢) وليست بالأصل وهي مناسبة للسياق.
(٤) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ٦٤٣، ٤/ ٢٠١) وقال: حسن صحيح غريب، وحسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (٢/ ٦٢٨) عن الزبير بن العوام رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>