للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المأثم أتمّ، وليتصونن عنها. واستعار للذنوب الرجس وللتقوى الطهر؛ لأن عرض المقترف للمعاصي يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما الحسنات فالعرض منها نقي مصون؛ كالثوب الطاهر. وفي هذه الاستعارة تنفير للعصاة من اقتراف الذنوب. و {أَهْلَ الْبَيْتِ} نصب على النداء أو على المدح، وفيه دليل على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، ثم ذكر أن بيوتهن مهابط الوحي، وأمرهن ألا ينسين ما يتلى فيها من الكتاب الجامع لأمرين: أحدهما: الإعجاز بفصاحته، والثاني: تعليم علوم الشريعة. {إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً} علم ما يصلحكم في دينكم، وأنزل عليكم كتابا يهديكم إلى سبيل الرشاد، أو علم من يصلح لنبوته ممن لا يصلح، واصطفى من اختاره لذلك.

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصّادِقِينَ وَالصّادِقاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصّائِمِينَ وَالصّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)}

وروي أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن: "يا رسول الله، ذكر الله الرجال في القرآن بخير، وما فينا خير نذكر به؛ فنزلت {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ} ونزل {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى} (١). وروي: أنه لما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل قال نساء المسلمين كذلك؛ فنزلت (٢). والمسلم: الداخل في السلم بعد الحرب؛ المنقاد الذي لا يعاند أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه، من أسلم وجهه إلى الله.

والمؤمن: المصدق بالله ورسوله، وبما يجب أن يصدق به. والقانت: القائم بالطاعة الدائم عليها. والصادق: الذي يصدق في نيته وقوله وعمله. والصابر: الذي يصبر على


(١) سورة آل عمران، الآية (١٩٥) وذكر ذلك الزيلعي في تخريج الكشاف (٣/ ١٠٧) والمناوي في الفتح السماوي تخريج أحاديث البيضاوي (٣/ ٩٣٤) وقال: رواه الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه.
(٢) روى الترمذي رقم (٣٢١١) عن أم عطية الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الآية. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب وإنما يعرف هذا الحديث من هذا الوجه. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي رقم (٢٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>