صين مقام النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قلت: كم من شيء فيه هجنة لكن ليس فيه في الشرع ما يكره، ومنه ما في هذه الآية؛ فإن الله ألقى في قلب زيد بغض زينب حتى يقضي ما علمه من رجوعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادت إليه بعقد صحيح موافق لقواعد الشرع.
وقيل في قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} إنه محبته لزينب. وقيل: العلم بأنها ستصير زوجة له، وإظهار هذا الأخير فيه هجنة؛ وهو أن يقول لمن استشاره في أمر زوجته:
طلقها، فأنا أتزوجها لا سيما وقد اقترن بذلك جواز حل زوجة المتبنى، وهي فائدة جليلة.
وأيضا فإن الصحابة كانوا إذا عرفوا من رجل صالح رغبة في الزوجية نزل له عن إحدى زوجتيه، فزوجه بها، وكذلك كان في أول الإسلام حتى ورد المنع من ذلك فإن قلت:
الواو في قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} {وَتَخْشَى النّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ} ما هي؟ قلت:
واو الحال، أي: تقول لزيد: أمسك عليك زوجك مخفيا في نفسك إرادة ألا يمسكها وتخفي خاشيا قالة الناس وتخشى الناس حقيقا في ذلك بأن تخشى الله، والله أحق أن تخشاه. إذا بلغ الرجل حاجته على يسر بغير عسر - قيل قد قضى وطره، والمعنى: فلما فارق زيد زوجته، وقد قضى منها حاجته وطلقها وانقضت العدة زوجناكها. {وَكانَ أَمْرُ اللهِ} الذي يريد أن يفعله {مَفْعُولاً} لا محالة. {فَرَضَ اللهُ} قسم وأوجب؛ من قولك: فرض لفلان كذا.
{ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠)}
{سُنَّةَ اللهِ} اسم موضوع للمصدر؛ كقولهم: [تربا وجندلا] (١) أكده بقوله: {ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ} (١٩٥ /أ) يعني: قد سن الله مثل ذلك في الأنبياء الماضيين، وقد كان لداود مائة زوجة وثلاثمائة سرية، ولسليمان ثلاثمائة زوجة وألف سرية. {فِي الَّذِينَ خَلَوْا} مضوا. {قَدَراً مَقْدُوراً} قضاء مقضيّا وحكما مبتوتا.
{وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ} تعريض بعد التصريح. في قوله: {وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ}.
{حَسِيباً} كافيا للمخلوق، أو: محاسبا على الصغيرة والكبيرة فتجب خشيته. {وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ} وكل نبي فهو أبو أمته؛ في معنى التعظيم والاحترام لا في معنى الميراث
(١) بياض بالأصل، والمثبت من الكشاف (٣/ ٥٤٣).