للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: لما كانت الملائكة دعوتهم مستجابة؛ فإذا سألوا الرحمة فكأنهم فعلوها ونظيره حياك الله، أي: أحياك، وحييتك بمعنى: دعوت لك بأن يحييك الله، وكذلك قوله:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} بمعنى: سلوا الله له الرحمة.

{وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فيه دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة، وروي أنه لما نزل {إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} قال أبو بكر: يا رسول الله، ما خصك الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه: فنزلت (١).

{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: تحيتهم الملائكة حين يلقونهم سلام. وقيل: هو سلام ملك الموت وأعوانه عند قبض الروح. وقيل: سلام الملائكة عند الخروج من القبور. وقيل: هو عند دخول الجنة؛ لقوله: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ} (٢). والأجر الكريم: الجنة. {إِنّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً} أي: شاهدا على من بعث إليهم، وعلى تصديقهم وتكذيبهم بمعنى أنه مقبول عند الله قولك عليهم ولهم. فإن قيل: الشاهد إنما يسمى شاهدا عند تحمل الشهادة أو أدائها، ووقت الإرسال ليس وقتا للتحمّل ولا للأداء؟ قلت: تسميته شاهدا حال مقدرة؛ كقولك: جاءني زيد وعلى يده صقر صائدا به غدا. فإن قيل: قد فهم من إرساله أنه مأذون له في الدعوة فما فائدة قوله: {بِإِذْنِهِ}؟ قلت: الإذن المراد به تيسير الأمر وتسهيله، ومن ذلك قولهم في البخيل: إنه غير مأذون له في الإنفاق. أي: لا يتيسر عليه ذلك ولا يسهل.

{وَسِراجاً مُنِيراً} جلا الله به ظلمات الشرك، ونوّر به قلوب المؤمنين. وقيل: ذا سراج، أي: وصاحب سراج منير، وهو القرآن، ويجوز أن يراد: وأعد له فضلا على سائر الأمم، وذلك الفضل من جهة الله؛ فإنه آتاهم ما فضلوا به.

{وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩)}


(١) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٣٨٩) لعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(٢) سورة الرعد، الآية (٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>