للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢)}

{اُذْكُرُوا اللهَ} أثنوا عليه بأنواع الثناء من تسبيح وتقديس وتحميد وتمجيد، وغير ذلك مما هو أهله، وأكثروا من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذكر الله على فم كل مسلم" (١).وعن قتادة: هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله (٢). وقوله: {اُذْكُرُوا} و {وَسَبِّحُوهُ} كلاهما موجه إلى قوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} وهذه كلمات يقولهن البر والفاجر والجنب والحائض، والتسبيح من جملة الذكر وإنما اختصه بإعادة ذكره لتشريفه؛ كما في قوله: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} (٣) لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يليق بجلاله (١٩٥ /ب) ويدل على تعظيم التسبيح ما هو دال على تنزّه الباري عن جميع ما لا يليق بجلاله، ومثاله أن تصف عبدك باجتناب الفواحش وترك الخيانة، وتقدم هذا الوصف على صومه وصلاته.

{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧)}

فإن قلت: {الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} إن فسرته بالرحمة لم يحسن في حق الملائكة؟


= وعيسى روح الله يصلي وراء إمامهم، وذلك لا يلزم انفصال عيسى من الرسالة؛ لأن جميع الرسل بعثوا بالدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل والنهي عما خالف ذلك من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحدة منها حق بالإضافة إلى زمانها مراعى فيه صلاح من خوطب به، فإذا نزل المتقدم في أيام المتأخر، نزل به على وقفه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "لو كان موسى حيّا لما وسعه إلا اتباعي" تنبيها على أن اتباعه لا ينافي الإيمان به بل يوجبه.
(١) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٣/ ١١٥) وقال: غريب بهذا اللفظ، وروى البيهقي والدارقطني من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي. قال: اسم الله على فم كل مسلم". وقال الزيلعي (٣/ ١١٦) ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بمروان بن سالم الغفاري، وكذلك ابن القطان في كتابه وقال: إنه ضعيف جدّا. وقال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (٢٧٧٤): موضوع.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٣/ ٥٤٥).
(٣) سورة البقرة، الآية (٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>