للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)}

وأدخلوا حرف الاستفهام على الشخص، ولو كان الفعل منكرا لقال: أصددتم {بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ} و "إذ" ظرف لا يتصرف، ولا يخرج عن الظرفية، فكيف أضيفت إليه "بعد"؟ لكن قد اتسع في ظرف الزمان؛ كما أضيف إلى الجمل؛ كقوله: جئتك أيام الحجّاج أمير.

لما أنكر المستكبرون أنهم تسببوا في ضلال المستضعفين، ونسبوا ذلك إلى اختيار المستضعفين كرر عليهم المستضعفون بالرد وقالوا: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} أي: كنتم تأمروننا بالكفر الليل والنهار، ولولا ذلك ما حصل الضلال، وقوله: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} تقديره: بل مكركم في الليل والنهار؛ كقول الشاعر [من الرجز]:

يا سارق الليلة أهل الدّار (١) ...

وقيل: جعلوا الليل والنهار ماكرين مجازا؛ كما جعلوهما مهلكين في قوله: {وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ} (٢) فإن قلت: لم حذف حرف العطف من قوله: {قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا؟} قلت: لأنها مقاولة جرت، والمقاولة لا يدخل فيها حرف العطف؛ كقوله: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ} إلى آخر المقاولة (٣) وفي سورة الحجر: {قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} إلى آخر


(١) ينظر البيت بلا نسبة في: الأمالي لابن الشجري (٢/ ٥٧٧)، خزانة الأدب (٣/ ١٠٨)، شرح المفصل (٢/ ٤٥)، الكتاب لسيبويه (١/ ١٧٥)، المحتسب (٢/ ٤٩٥)، همع الهوامع (١/ ٢٠٣). والشاهد فيه: أن الظرف إذا توسع فيه يجوز حينئذ إضافته على طريق الفاعلية، وهنا الظرف "الليلة" متصرف، قد أضيف إليه "سارق" وهو وصف. قال سيبويه في الكتاب (١/ ١٧٦): "فإن نونت فقل: يا سارقا الليلة أهل الدار. كان حد الكلام أن يكون" أهل الدار " على" سارق "منصوبا، ويكون" الليلة "ظرفا؛ لأن هذا موضع انفصال، وإن شئت أجريته على الفعل على سعة الكلام". ثم قال: "ولا يجوز" يا سارق الليلة أهل الدار "إلا في شعر؛ كراهية أن يفصل بين الجار والمجرور".
(٢) سورة الجاثية، الآية (٢٤).
(٣) سورة الشعراء، الآية (٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>