للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: ليحكي الحال في إثارة الريح السحاب، ويستحضر تلك الحالة العجيبة الدالة على القدرة الربانية، ومنه قول تأبط شرا (٢٠٧ /أ) [من الوافر]:

بأنّي قد لقيت الغول تسعى ... بسهب كالصّحيفة صحصحان

فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران (١)

كأنه يريهم إياها ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب من جرأته على كل هول، وثباته عند كل شدة، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها لما كان من الدلائل على القدرة الباهرة، قيل: {فَسُقْناهُ} و {فَأَحْيَيْنا} معدولا بهما عن لفظة الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. والكاف في" كذلك "في محل الرفع أي: مثل ذلك إحياء الموتى ونشورهم. وروي:" أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: هل مررت بواد أهلك محيلا، ثم مررت به يهتز خضرا؟ فقال: نعم. فقال: كذلك يحيي الله عز وجل الموتى " (٢).وقيل: يحييهم الله عز وجل بماء ينزله من تحت العرش كمني الرجال حتى تنبت منه أجسادهم وتنشق الأرض عن نفوسهم.

كان الكافرون يتعززون بالأصنام {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} (٣).

والمنافقون يتعززون بالمشركين {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} (٤). فلم يجعل لأحد نصيبا في العزة؛ فوضع قوله: {فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} موضع قوله: فليطلبها منه. كما تقول: من أراد النصيحة فهي عند الأبرار، والمراد:


(١) ينظر البيتان في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٠٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٦٠)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٦٠١) ويروى البيت الثاني: فأضربها فأقتلها ... والسهب: الفضاء المستوي بعيد الأطراف. والصحيفة: الكتاب. والصحصحان: المستوي من الأرض. والجران: مقدم عظم العنق. والمعنى: يا من تنكر وجود الغول إني أخبر إخبارا يقينيا بأني قد لقيتها في مكان متسع مستو، فجعلت أضربها بلا خوف فسقطت مطروحة على يديها وعنقها.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٤٦١) ونسبه لأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات.
(٣) سورة مريم، الآية (٨١).
(٤) سورة النساء، الآية (١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>