للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالجر على البدل من القرآن (١).

{قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ} ما: نافية، أي: لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم؛ على الوصف، ويجوز أن تكون" ما "مصدرية، أي: لتنذر قوما إنذارا مثل ما أنذر آباؤهم.

فإن قلت: فالمعنيان يتعارضان؛ لأن الأول ينفي إنذار الآباء والثاني يثبته؟ قلت: لا تعارض؛ لأن الأول في نفي إنذار الآباء، والثاني في إثبات إنذارهم أنفسهم.

فإن قلت: {فَهُمْ غافِلُونَ} بم يتعلق؟ قلت: على الأول يكون متعلقا ب‍ {ما أُنْذِرَ} أي: ترك الإنذار سبب غفلتهم. وعلى الثاني: متعلقة ب‍ {لِتُنْذِرَ} كما تقول: أرسلتك إلى فلان لتنذره فهو غافل. و {إِلَى} في قوله {إِلَى الْأَذْقانِ} على بابها من انتهاء الغاية متعلقة بمحذوف، التقدير: فهي واصلة إلى الأذقان؛ لأن ملتقى الغل من أمام الوجه تكون فيه حلقة تمنع مطاطأة الرأس، فلا يزال رافعا رأسه مقمحا، يقال: أقمح البعير: إذا رفع رأسه من الشرب لبرد الماء، وهما شهرا قماح وهما كانون الأول وكانون الثاني؛ لأن الماء فيهما يبرد فيحتاج شاربه إلى أن يرفع رأسه قليلا قليلا.

وقد قال قائل: إن الضمير في قوله: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ} راجع إلى الأيدي مضمومة إلى الأعناق وهو بعيد؛ لأن ذلك لا يكون سببا في الإقماح المذكور (٢).

{وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ}


(١) قرأ بالرفع نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر، وقرأ الجمهور بالنصب، وقرأ بالجر أبو حيوة واليزيدي وأبو جعفر وشيبة. تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٢٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٧٥)، السبعة (ص: ٥٣٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٧٠).
(٢) قال ذلك الطبري في تفسيره (٢٢/ ١٥٠) وعبارته:" وقوله إلى الأذقان يعني فأيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم فكني عن الأيمان ولم يجر لها ذكر لمعرفة السامعين بمعنى الكلام وأن الأغلال إذا كانت في الأعناق لم تكن إلا وأيدي المغلولين مجموعة بها إليها فاستغنى بذكر كون الأغلال في الأعناق من ذكر الأيمان".
ورد ذلك الزمخشري في الكشاف (٤/ ٦) فقال:" ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرا على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطن الذي يجفو عنه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>