للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: لما كان المقصود بالإنذار الانكفاف والانزجار فإذا لم يحصل فكأنه لا إنذار، وإنما ينفع إنذارك من كان غير مطبوع على قلبه، وخاشيا ربه بالغيب ومنتفعا ب‍ {الذِّكْرَ} أي: بالقرآن أو بالموعظة.

{إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)}

{نُحْيِ الْمَوْتى} حمل على الحقيقة. وقيل: يخرجهم من الكفر إلى الإيمان؛ فجعل المجاز في الإحياء والإماتة. {وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا} ما أسلفوا من أعمال صالحة، وما علموه من علم أو صنفوه من كتب أو حبسوه من حبس أو سيئة؛ كالظلامات التي أحدثها الظلمة، وتعليم الفاحشة والخنا، وغير ذلك، ومنه قوله تعالى: {يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (١) أي:

قدم من أعمال، وأخر من آثاره. وقيل: هي أثر المشي إلى المساجد، وأراد بعض الصحابة أن ينتقل إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:" ابق على مسكنك؛ فإن خطواتكم إلى المساجد من آثاركم، وتلا: {إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا} الآية (٢). {فِي إِمامٍ} أي: في كتاب، وأراد بالكتاب: اللوح المحفوظ.

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً} أي: واجعل أصحاب القرية مثلا لهم، وهو كقولك: عندي ضرب من هذا المتاع، وضربت القصة خاتما، وضربت الطين لبنا.

و {الْقَرْيَةِ} أنطاكية، و {الْمُرْسَلُونَ} رسل عيسى عليه السلام، وبعثهم عيسى دعاة إلى الحق. {فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا} فقوينا {بِثالِثٍ} وهو شمعون الصّفا وكان عيسى قد بعث


(١) سورة القيامة، الآية (١٣).
(٢) رواه مسلم في صحيحه رقم (١٠٦٨) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد، قالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم".

<<  <  ج: ص:  >  >>