للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{اِتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ} كقوله: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} الآية (١). وقيل: المراد: انظروا في أخبار الأولين، وما جرى على المكذبين، وما خلفكم من أمر الساعة. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لتكونوا على رجاء رحمة، وجواب {وَإِذا} محذوف مدلول عليه بقوله: {إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ} أي: أعرضوا. كان المشركون معطلين، لا يعتقدون البعث، وكانوا يسمعون المؤمنين يقولون: أفعالنا بمشيئة الله، ويقولون: لو شاء الله لأغنى فلانا أو لأفقره، فجرى ذكر الإطعام على هذا النمط؛ فقال المشركون: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ} استهزاء، والمؤمنون يقولون ذلك حقيقة، وقد شارك الزمخشري الكفار في اعتقادهم في هذه المسألة (٢). وهي عندنا حق، ولكن وجه إنكارها أنهم قالوها على وجه الاستهزاء؛ كانوا يقولون إذا قيل لهم أنفقوا: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ}.

وعن ابن عباس:" كان بالمدينة زنادقة إذا قيل لهم: أطعموا الفقراء، قالوا: لا والله لا نطعم من لو أراد أطعمه، وكانوا يقولون: الله قادر على إطعام هذا الفقير، ولو شاء لفعل:

فنحن نقتدي بما فعله الله معه " (٣).

{إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} قاله الله لهم، أو قاله المؤمنون، أو من جوابهم للمؤمنين

{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)}

{إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً} قيام الساعة وهم في أسواقهم وخصامهم. وفي الحديث:" لتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فيه فلا يطعمها " (٤).وقيل: يختصمون في أن الساعة هل تكون أو لا تكون. {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} بل يموتون عند سماع الصيحة، ثم بعد ذلك


(١) سورة سبأ، الآية (٩).
(٢) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ١٩).
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ١٩)، ونسبه الماوردي في النكت والعيون (٣/ ٣٩٤) لقتادة.
(٤) رواه البخاري رقم (٧١٢١، ٦٥٠٦)، ومسلم رقم (٢٩٥٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>