للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتخذوا الآلهة ليكونوا لهم عزّا؛ فكان الأمر على عكس ذلك. {إِنّا نَعْلَمُ} "إنا" بالكسر: استئناف، ومن فتح الهمزة وقصد المعنى كفر؛ لأن "أن" وما بعدها بتأويل المصدر، تقول: يسرني أنك حاضر، أي حضورك، فيكون المعنى: فلا يحزنك يا رسول الله قول الكفار عنا: {إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} وهذا كلام حق لا يحزن منه الرسول ولا المؤمنون، ومن أراد حذف لام الجر وقصد فلا يحزنك قولهم؛ لأنا نعلم فلا يكفر، ومثله قولهم في التلبية: لبيك إن الحمد، كسرها الشافعي وفتحها أبو حنيفة (١).

قبح الله اعتقاد الكفار عدم البعث والنشور بأن هذا النطفة الحقيرة المستقذرة يخلق منها رجل هو أشد الخصام؛ كقوله: {وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (٢) ينكر قدرة القادر على ما يشاء من إحداث الأجسام والأعراض. {خَصِيمٌ مُبِينٌ} أي: منطيق قادر على الخصام. والرميم: اسم من بلي من العظام، وهو اسم ليس بصفة؛ فلا يقال: لم لا يؤنث، وقد وقع خبرا لمؤنث؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، وقد استشهد بهذه الآية من زعم أن الحياة تحل في العظام، وفيه خلاف بين العلماء (٣).

{وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)}


(١) ينظر: الأم للإمام الشافعي (١٥٦، ٢/ ١٥٥)، المجموع للنووي (٢٢٠، ٧/ ٢١٩)، الدر المختار لابن عابدين (٢/ ٢٨٣)، بدائع الصنائع للكاساني (٢/ ١٤٥).
(٢) سورة الكهف، الآية (٥٤).
(٣) قال الزمخشري في الكشاف (٤/ ٣١): "ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول: إن عظام الميتة نجسة؛ لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها. وأما أصحاب أبي حنيفة فهي عندهم طاهرة، وكذلك الشعب والعصب ويزعمون أن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت ويقولون: المراد بإحياء العظام في الآية: ردّها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس".

<<  <  ج: ص:  >  >>