للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما قال: {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ} أتبعه قوله: {إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ} أي: شرف ورفعة. وقيل: تذكير وموعظة.

{لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧)}

{لِيُنْذِرَ} والمنذر القرآن أو الرسول. {مَنْ كانَ حَيًّا} أي: عاقلا أو معلوما أنه يؤمن فيحيا بالإيمان. {مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا} تولينا إحداثه، ولم يقدر على توليه غيرنا. {أَنْعاماً} وهي الإبل والبقر والغنم. {فَهُمْ لَها مالِكُونَ} ضابطون؛ أي: فملكناها لهم، قال [من المنسرح]:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا (١)

{وَذَلَّلْناها لَهُمْ} أي: سخرناها، ولهذا ألزم الله الراكب أن يشكر هذه النعمة بقوله:

{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا} (٢). {وَمَشارِبُ} من الألبان، ذكرها مجملة، والمشارب جمع مشرب، وهو موضع الشرب والشرب نفسه.


= فإن خلا من هذه الأوصاف أو بعضها لم يكن شعرا، ولا يكون قائله شاعرا، بدليل أنه لو قال كلاما موزونا على طريقة العرب وقصد الشعر أو أراده ولم يقفه لم يسم ذلك الكلام شعرا ولا قائله شاعرا بإجماع العلماء والشعراء، وكذا لو قفاه وقصد به الشعر ولكن لم يأت به موزونا لم يكن شعرا، وكذا لو أتى به موزونا مقفى لكن لم يقصد به الشعر لا يكون شعرا، ويدل عليه أن كثيرا من الناس يأتون بكلام موزون مقفى غير أنهم ما قصدوه ولا أرادوه ولا يسمى شعرا، وإذا تفقد ذلك وجد كثيرا في كلام الناس. كما قال بعض السؤال: اختموا صلاتكم بالدعاء والصدقة. وأمثال هذا كثيرة فدل على أن الكلام الموزون لا يكون شعرا إلا بالشروط المذكورة، وهي القصد وغيره مما سبق، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا أراده، فلا يعد شعرا وإن كان موزونا، والله أعلم".
(١) البيت للربيع بن منبع الفزاري، ينظر في: الكشاف للزمخشري (٤/ ٢٨)، لسان العرب (ضمن).
(٢) سورة الزخرف، الآية (١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>